بعد ما أظهرنا اوصافك وما به صدق رسالتك فأظهر رسالتك عليهم وقل (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) لا اختصاص لرسالتي بقوم دون قوم (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) ذكر أوصافا ثلاثة لله مشيرا الى مبدئيّته ومرجعيّته ومدبّريّته والى توحيد الهيّته والى انّه الفاعل للحيوة والممات ، ردّا بها على الدّهرية القائلة بانّ العالم لا مبدأ له ، والثّنويّة القائلة بانّ مدبّر العالم مبدءان قديمان مستقلّان ، النّور والظّلمة أو يزدان واهريمن ، والثّنويّة القائلة بانّ مبدء العالم هو الله واهريمن خلق من فكر سيّئ ليزدان ولكن خالق الخير ومنه الحيوة يزدان وخالق الشّرّ ومنه الموت اهريمن (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) مقول قول النّبىّ (ص) أو قول الله تعالى بصرف الخطاب الى النّاس والتّفريع على قول النّبىّ (ص) والمراد بالايمان هنا الايمان العامّ بقرينة قوله لعلّكم تهتدون (النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) التّكوينيّة والتّدوينيّة المعبّر عنه بالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الّتى هي اشارة الى مراتب العالم من الملائكة المقرّبين (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) والملائكة الرّكّع والسّجّد وذوي الاجنحة مثنى وثلث ورباع الّتى مقامها الملكوت العليا وعالم الخلق والملكوت السّفلى الّتى هي دار الجنّة والشّياطين وسجن الأشقياء والمذنبين ؛ هذا بحسب النّزول ، وقد يعبّر عنها بمراتب الولاية والنّبوّة الّتى يعبّر عنها بمائة واربعة وعشرين الف نبىّ وبمائة واربعة وعشرين الف وصىّ كما في الاخبار وهذا بحسب الصّعود ، والمراد بإيمانه (ص) بكلمات الله ليس الايمان بالغيب ولا الايمان الشّهودىّ بل الايمان التّحقّقى المعبّر عنه بحقّ اليقين فانّه (ص) المتحقّق بجميع المراتب والكلمات (وَاتَّبِعُوهُ) بامتثال أو امره (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى الولاية جعل الايمان بالنّبىّ (ص) واتّباعه هداية الى الايمان بعلىّ (ع) وقبول ولايته (ع) كما في قوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) اى لولاية علىّ (ع) ، فانّ الايمان المقابل للإسلام هو ولاية علىّ (ع) بالبيعة الخاصّة والميثاق المخصوص كما في أخبارنا ؛ انّ الايمان هو معرفة هذا الأمر أو ولاية علىّ (ع) أو الدّخول في أمرهم (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) قد عرفت انّ الحقّ الاضافىّ هو الولاية المطلقة والمتحقّق بها هو علىّ (ع) (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) من العدل مقابل الجور وقد ورد في الاخبار ، انّ هذه الامّة قوم من وراء الصّين بينهم وبين الصّين وادحار من الرّمل لم يغيّروا ولم يبدّلوا ليس لأحدهم مال دون صاحبه ، يمطّرون باللّيل ويضحون بالنّهار ويزرعون ، لا يصل إليهم منّا أحد ولا يصل منهم إلينا وهم على الحقّ (وَقَطَّعْناهُمُ) اى قوم موسى (ع) اى فرّقناهم فرقة فرقة (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) السّبط القبيلة من اليهود وولد الولد قيل لا يثنّى ولا يجمع وجمع بعد اثنتى عشرة لانّه جعله بدلا لا تميزا ، أو هو تميز بجعل كلّ واحدة من الفرق أسباطا ، أو بتقدير موصوف مفرد مثل الفرقة والقبيلة ويؤيّد جعله تميزا بأحد هذين الوجهين تأنيث اثنتى عشرة (أُمَماً) بدل أو صفة وسمّى أولاد يعقوب (ع) بالأسباط لانّهم كانوا اثنتى عشرة قبيلة كلّهم من أولاد ابنائه الّذين كانوا اثنى عشر ، كما سمّى أولاد اسمعيل قبائل (ع) (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) في التّيه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضرب (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) بعدد القبائل حتّى لا يقع بينهم نزاع في الورد (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) اى فرقة من الأسباط