كتبهم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) حال من فاعل يجدونه أو مفعوله أو كليهما أو المستتر في مكتوبا بتضمين مثل معنى الاتّصاف اى حالكونه يتّصف بالأمر لهم بالمعروف أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو نائب فاعل لمكتوبا ، وأصل المعروف علىّ (ع) ثمّ ولايته ثمّ التّخلّق بأخلاقه ثمّ العلم المأخوذ منه ثمّ العمل بالمأخوذ ، ثمّ النّبىّ (ص) ثمّ اتّباعه ثمّ العلم المأخوذ منه ثمّ العمل بالمأخوذ وهكذا المنكر مقابلوا علىّ (ع) وهذا هو الدّليل التّام على صدق الرّسول (ص) في رسالته ، فانّ المعروف والمنكر معلوم اجمالا لكلّ أحد إذا خلّى وطبعه وترك الهوى واتّباعه كما في حديث ؛ اعرفوا الله بالله ، والرّسول بالرّسالة ، واولى الأمر بالأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) أصل الطّيّبات علىّ (ع) الى ما تستطيبه الطّباع وتستلذّه ، وأصل الخباثات من كان مقابلا لعلىّ (ع) الى ما تستكرهه الطّباع وتستقذره ، ومعنى إحلال الطّيّبات وتحريم الخباثات إذا حملت على معانيها الظّاهرة ظاهر ، وإذا حملت على معانيها التّأويليّة فمعناهما تسهيل طريق أخذ الطّيّبات وسدّ طريق الوصول الى الخبائث (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) الإصر الثّقل والمراد منه ثقل التّكاليف ، فانّ للتّكاليف في بدو الأمر ثقلا عظيما بحيث لا يكاد يتحمّله المكلّف فاذا أخذها من الرّسول (ص) أو خلفائه يتبدّل ثقلها بالنّشاط والسّرور ، وكما يتبدّل ثقلها بالنّشاط يتبدّل ثقلها أيضا بالخفيف الّذى دون طاقة المكلّف في أمّة محمّد (ص) كما في الاخبار الّتى ورد في تنزيل الآية (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) النّاشئة من الاهوية المختلفة المتكثّرة المانعة لحركة المكلّف نحو ولىّ امره فانّ لكلّ سلسلة تمنعه من الحركة لكنّ الإنسان ما دام في الدّنيا لا يشاهدها الّا من فتح الله عينيه وصار من أهل الآخرة وهو بعد في الدّنيا (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة (وَعَزَّرُوهُ) عظّموه بمنع الأغيار من إيذائه وبمنع الاهوية الفاسدة والخيالات الكاسدة من الغلبة على اتّباعه وامتثال أو امره ونواهيه ، وبعبارة اخرى بالتّبرى عمّا يخالف امره ونهيه ، فانّ امر محمّد (ص) هو نازلة محمّد (ص) وظهوره في المرتبة النّازلة وتعظيم امره (ص) ومنع الاهوية المانعة من امتثاله تعظيم له ومنع عنه (وَنَصَرُوهُ) بنصرة امره ودوام الاتّصال به حتّى يلحقّ امره القالبىّ بأمر الولي الّذى هو وارد على القلب ، وبعبارة اخرى بالتّولّى له فانّ التّعزير كناية عن التبرّى والنّصرة عن التولّى الّذين يعبّر عنهما تارة بالزّكوة والصّلوة ، وتارة بالتّقوى والايمان ، وتارة بالتبرّى والتّولّى والمفاهيم الظّاهرة من تلك الألفاظ بحسب التّنزيل لا حاجة لها الى البيان (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) النّور هو الولاية ولذلك فسّر بعلىّ (ع) فانّه الأصل فيها ويعبّر عنها بالنّور لانّ النّور هو الظّاهر بالّذات والمظهر للغير ، والولاية هي الّتى يفتح بها عين القلب فيظهر به الصّحيح من الأعمال والأحوال والأخلاق والعقائد من سقيمها ، وبه أيضا يظهر دناءة الدّنيا وشرافة الآخرة ، واتّباع الولاية هو آخر مراتب التّكاليف القالبيّة وهو المقصود من البيعة العامّة النّبويّة الّتى يعبّر عنها بالإسلام وهو ما به ارتضاء الإسلام وما به تماميّة نعمة الإسلام وهو أسنى أركان الإسلام وأشرفها وهو الّذى ليس وراءه مطلب سواه ، فانّ جميع المراتب الّتى تتصوّر للإنسان في سلوكه مراتب الولاية والمراد بمعيّة النّور لمحمّد (ص) معيّته القيّوميّة ، فانّ الولاية روح النّبوّة وقوامها ولذلك قال (ص): يا علىّ كنت مع كلّ بنىّ سرّا ومعى جهرا (أُولئِكَ) تكرير المبتدء باسم الاشارة البعيدة تعظيم لهم وتصوير لهم باوصافهم الشّريفة الجليلة وحصر للفلاح الحقيقىّ فيهم (هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ) يعنى