النّفس لا يرتضى من المسيء بالانتقام بمثل إساءته بل لا يرتضى باضعافها فالأحسن في حقّه الانتقام بمثل اعتدائه كما قال (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، ومن خرج من تلك الجهنّام فالأحسن في حقّه كظم الغيظ وترك الانتقام ولكن لا يتصوّر في حقّه الصّفح وإخراج رين الاساءة من صدره ، والأحسن في حقّ من خرج من حدود النّفس وتوجّه الى حدود القلب الصّفح وتطهير القلب من رين الاساءة ولا يتصوّر في حقّه الإحسان ، وفي حقّ الدّاخل في بيت الله الّذى (مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وهو القلب كان الأحسن الإحسان فالمراد بأحسنها أحسن ما يتصوّر ويمكن في حقّهم ، هذا إذا كان المراد بالأحسن الأحسن الاضافىّ وان أريد بالأحسن الأحسن المطلق فليخصّص قومه بخواصّه ، هذا على ظاهر مفهوم اللّفظ والّا فالمراد به الولاية فانّها العظة الحسنى والحكم الأحسن حقيقة والمعنى انّك لسعة وجودك واستقلالك في جميع المراتب مأمور بأخذ جميع الأحكام في جميع المراتب ، ولكنّ قومك لضيقهم وعدم استقلال رأيهم مأمورون بأخذ الأحسن منها وهي الولاية حتّى يحصل لهم بتبعيّة وليّهم سعة واستقلال في رأيهم فيستحقّوا بذلك الأمر بأخذ الجميع وبأحد المعنيين ورد قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ولمّا صار المقام مظنّة ان يقال : ما لمن خرج من الانقياد ولم يأخذ حكم الألواح وعظة؟ ـ قال جوابا (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) وجزائهم والخطاب لموسى (ع) وقومه أو لمحمّد (ص) وقومه ، ثمّ صار المقام مظنّة ان يقال : ما سبب خروج الفاسق ومن المخرج له؟ أيخرج بنفسه أم يخرجه غيره؟ ـ فقال (سَأَصْرِفُ) البتّة على ان يكون السّين للتّأكيد أو سأظهر يوم القيامة انّ انصراف المنصرف كان بسبب تكبّره بغير الحقّ ، ولمّا كان الاهتمام ببيان سبب الانصراف لا الصّارف لم يقل : انا اصرف بتقديم المسند اليه تقوية للحكم أو حصرا (عَنْ آياتِيَ) التّدوينيّة الّتى هي احكام نظام المعاش وحسن المعاد وظهور الآيات التّكوينيّة أو عن الآيات التّكوينيّة الآفاقيّة والانفسيّة وأعظمها الآيات العظمى أو عن الجميع (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) يظهرون الكبر أو ينتحلون الكبر (بِغَيْرِ الْحَقِ) فانّ التكبّر بأمره مع المتكبّر صدقة ، والتكبّر بكبريائه تعالى كبرياء الحقّ وهما لا يمنعان من انقياد الآيات (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) من عطف المسبّب على السّبب لتكبّرهم المانع من الإذعان بآياتي (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لادبارهم بتكبّرهم عن سبيل الرّشد (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لا قبالهم على الغىّ ، والمراد بسبيل الرّشد والغىّ الأعمال والأخلاق الموصلة إليهما بل نقول : للنّفس طريق الى العقل وهو الرّشد وطرق عديدة الى الجهل وهي الغىّ ، والنّفس برزخ واقع بينهما والأعمال والأخلاق الحسنة من لوازم طريقها الى العقل ، وضدّها من لوازم طرقها الى الجهل (ذلِكَ) التكبّر الّذى هو سبب الكلّ أو ذلك المذكور من الصّرف والتّكبّر وعدم الايمان بالآيات وعدم اتّخاذ سبيل الرّشد واتّخاذ سبيل الغىّ (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) فانّ سبب الكلّ التّكذيب بآياتنا العظمى أو مطلق الآيات (وَكانُوا عَنْها) من حيث انّها آيات (غافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) عطف على مدخول انّ وهو على صورة قياس اقترانىّ من الشّكل الاوّل وصورته هكذا : ذلك بانّهم كذّبوا بآياتنا وكلّ من كذّب بآياتنا حبطت أعمالهم فلا ينتفعون بها حتّى يقرّبهم الى سبيل الرّشد والانقياد للآيات (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كأنّه قيل : حبط الأعمال لا يشبه