فهم العامة من الرّؤية رؤية البصر وهي ممتنعة في حقّه تعالى وكان حقيقة الرّؤية في حقّه تعالى غير ممنوعة اختلف الاخبار في نفى الرّؤية عنه تعالى وإثباتها له وبما ذكرنا من التّحقيق يجمع بين متخالفات الاخبار في باب رؤية الحقّ تعالى وعدمها وفي تفسير هذه الآية ومن أراد الاطّلاع عليها فليرجع الى الكافي والصّافى (قالَ) الله تعالى بعد ما اندكّ جبل انّيّته ومات عن انانيّته ثمّ أحياه الله بحيوة اخرى غير الحيوة الاولى واستحقّ إعطاء كتاب النّبوّة (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي) يعنى بما به الرّسالة ولذا جمعه وهو اسفار التّوراة أو احكام التّوراة (وَبِكَلامِي) اى بشرافة كونك كليما لي (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) من التّوراة أو احكام الرّسالة أطلق الأخذ هنا وقيّده فيما بعد وفي قصّة يحيى وفي قصّة رفع الجبل فوق بنى إسرائيل بقوله بقوّة للاشارة الى عدم الحاجة إليها هنا لقوّة الآخذ وعدم حاجة المأخوذ الى قوّة وللاشارة الى قوّة المأخوذ وضعف الآخذ في قصّة يحيى وقصّة بنى إسرائيل (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) بصرفه لأهله ومنعه من غير اهله ، وروى انّ سؤال الرّؤية كان يوم عرفة وإعطاء التّوراة يوم النّحر (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ما يسمّى شيئا (مَوْعِظَةً) فانّ في كلّ شيء جهة وعظ ونصح للخير كما انّ فيه جهة كثرة وحجاب عن الخير فكتبنا من كلّ شيء جهة وعظ في ألواح التّوراة أو في ألواح نفسه النّبويّة (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) عطف على مجموع (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً) لا على موعظة فقط أو هو عطف على موعظة ، والمعنى وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء تفصيلا لكلّ شيء ، فانّ البصير المرتفع عن عالم الطّبع بل عن عالم المثال يرى كلّ شيء في كلّ شيء لكون الكل في ذلك العالم مرائى متعاكسات يترائى كل شيء في ذلك العالم في كلّ شيء بل نقول : ظاهر الآية كون تفصيلا معطوفا على موعظة والقيود المتقدّمة على المعطوف عليه معتبرة في المعطوف بحكم العطف وقد اشتهر عن الصّوفيّة انّهم يقولون : كلّ شيء في كلّ شيء (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) اى قائلين فخذ الألواح الّتى فيها الموعظة وتفصيل كلّ شيء ، أو خذ الموعظة وتفصيل كلّ شيء ، أو مجموع الألواح والموعظة والتّفصيل ولاخذ تفصيل كلّ شيء من كلّ شيء هاهنا في المأخوذ أضاف قوله بقوة (وَأْمُرْ قَوْمَكَ) بأخذ الألواح والموعظة أو بأخذ أحسنها أو بأىّ امر كان (يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) في حذف متعلّق الأمر وجزم الجواب إيهام سببيّة امره (ع) باىّ امر كان لاخذ قومه بأحسنها ، كأنّه بامره وتوجّهه إليهم يؤثّر فيهم أثرا يفتح بصيرتهم بحيث يميّزون بين الأحسن وغير الأحسن ، وكلّ إنسان مفطور على أخذ الأحسن إذا عرفه وفي أمثال قوله تعالى لنبيّنا (ص) : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) دلالة على قوّة نفس نبيّنا (ص) بالنّسبة الى موسى (ع) لا يهامه انّ محض تخاطبه (ص) مع المؤمنين امرا كان أو نهيا أو حكاية وقصّة يؤثّر فيهم بحيث يصير سببا لما ذكر بعده من أفعالهم الحسنة بخلاف موسى (ع) ، فانّه ان امر اثّر والّا فلا. ولمّا كان القوم غير جامعة لجملة المراتب لضيقهم وعدم سعتهم بل كلّ من كان منهم في مرتبة لم يكن يجرى عليه حكم المرتبة العالية أو الدّانية لضيقه وكان الحسن والأحسن في حقّه حكم تلك المرتبة وكان حكم المرتبة العالية أو الدّانية في حقّه قبيحا امره (ع) ان يأمر قومه ان يأخذوا أحسن العظة أو أحسن الألواح باعتبار ما فيها من الأحكام الّتى هي موعظته تعالى ، فانّ الأحكام فيها كالقرآن متكثّرة مترتّبة بحسب تكثّر المراتب كالانتقام وكظم الغيظ والعفو عن المسيء والإحسان اليه ، فانّ الأحكام الاربعة مذكورة في القرآن لكن هي مترتّبة حسب مراتب الإنسان ويختلف أحسنها بحسب اختلاف الأشخاص في مراتب العبوديّة ، فانّ الواقع في جهنّام