على استبدادهم لجهلهم ثمّ بيّن لهم فساد عمل القوم وبطلانه فقال (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) من الأحوال والأخلاق والعقائد يعنى منكسر منقطع عمّا ينبغي الاتّصال به من النّبوّة والولاية المتّصلة بالآخرة الباقية (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فاسد لا اثر له ولا فائدة مترتّبة عليه (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) كرّر قال اهتماما بما بعده فانّه المقصود وغيره كان توطئة له فانّ انكار ابتغاء غير الله إلها كناية عن ابتغاء الله إلها لكون المقام مقام ابتغاء الإله (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) في زمانكم ببعثة الرّسل منكم وخلاصكم من أعدائكم وانقيادكم للرّسل (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عطف على قوله أغير الله أبغيكم إلها بتقدير اذكروا اى قال موسى (ع) اذكروا إذ أنجيناكم ، ونسبة الإنجاء الى نفسه مع الله لكونه سببا أو عطف على أورثنا بتقدير قلنا اذكروا إذ أنجيناكم فيكون خطابا من الله معهم وتذكيرا لهم بالنّعمة العظيمة الّتى هي الخلاص من شدّة عذاب آل فرعون (يَسُومُونَكُمْ) يكلّفونكم (سُوءَ الْعَذابِ) والجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو حال (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ) بدل من الاولى بدل التّفصيل من الإجمال أو مستأنفة أو حال مترادفة ، أو متداخلة (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يستبقون بناتكم للاسترقاق أو يفتّشون حياء نساءكم اى فروجهنّ لتجسّس العيب كالاماء ، أو تجسّس الحمل وقد سبق في اوّل سورة البقرة تفصيله (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) ابتلاء ومحنة (مِنْ رَبِّكُمْ) على أيدي أعدائه (عَظِيمٌ) وتفسير البلاء بالنّعمة وجعل الإنجاء مشارا اليه بعيد (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) وهي شهر ذي القعدة كما نقل لاعطاء كتاب فيه ببيان كلّ شيء (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) من ذي الحجّة لسواك استاك آخر الثّلاثين قبل الإفطار (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) لاعطاء الكتاب (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى) حين خرج من بين قومه للميقات (لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) التفات من التّكلّم الى الغيبة اشارة الى انّ التّكلّم صدر من مقام ظهوره الّذى هو الولاية المطلقة المتحقّق بها علىّ (ع) كما انّ المتكلّم مع محمّد (ص) ليلة المعراج كان عليّا (ع) ، ولمّا سمع موسى (ع) كلامه تعالى اشتدّ شوقه والتهب حرارة طلبه ولم يتمالك ، فطلب وسأل ما ليس له من الشّهود والرّؤية مع انّه كان بعد في الحدّ والغيبة وباقيا عليه الانانيّة وليس شأن المحدود ادراك المطلق ورؤيته ، فانّ من شرائط الرّؤية والإدراك صيرورة الرّائى سنخا للمرئىّ أو المرئىّ سنخا للرّائى والّا فلا يقع الرّؤية ولا يحصل المشاهدة ؛ الا ترى انّ النّفس في مشاهدة الأجسام محتاجة الى آلة جسمانيّة وقوّة جرمانيّة وتلك القوّة الجسمانيّة محتاجة الى تجريد الصّورة من المادّة لتجرّدها نحوا من التّجرّد ، فلمّا لم يتمالك (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) فانّك غير خارج من حدودك ولو شاهدتني بحدودك لفنيت فليس لك شأن رؤية المطلق (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) جبل الحجر أو جبل انانيّتك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ) الجبل لتجلّى نور من أنوار المطلق (مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) مع جبل حدّك وانّيّتك (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) الّذى هو المطلق المضاف لا المطلق المطلق (لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ) الله أو الرّبّ أو التّجلّى (دَكًّا) متفتّتا متلاشيا (وَخَرَّ مُوسى) لاندكاك انّيّته (صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ) عن سؤالى عن مثلك ما ليس لي (تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤالى (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّك لا ترى لمثلي.