من قبل اليمن) والاسم منه الطّيرة والطّائر ثمّ غلب التّطيّر ، ومشتقّاته في التّشأّم كالتّفؤّل في التيمّن ، ثمّ استعمل التّطيّر في كلّما يتشأّم به وكان رؤساؤهم جعلوا ما به التّفأّل والتّشأّم من أمارات الخير والشّرّ ثمّ عدّه جهلاؤهم من أسبابهما ولذلك قال في الرّدّ عليهم (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) يعنى سبب خيرهم وشرّهم عند الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) انّ سبب الخير والشّرّ عند الله وانّ الفاعل هو الله وان ليس للخلق الّا القبول وليس ما يعدّونه سبب الخير أو الشّرّ الّا أمارة ان كان من الأمارات (وَقالُوا) زيادة في الوقاحة (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) لتتصرّف فينا وتغيّرنا عمّا نحن عليه بتصرّفات خفيّة عنّا (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) ما يطوف بهم من الماء وفسّر بالطّاعون (وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ) هو صغار الجراد الّتى لا جناح لها أو صغار الذّرّ أو دويبة صغيرة لها جناح أحمر أو دوابّ كالقردان ، وتفسيره بقمّل النّاس بعيد لانّ قمّل النّاس مفتوح الفاء مخفّف العين كما قرئ به ، وحينئذ يكون المراد به القمّل المعروف (وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) واضحات أو منفصلات إذ كان بين كلّ آية وآية سنة ، وامتداد كلّ منها كان أسبوعا (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) العذاب فيكون عبارة عن الآيات المذكورة ويكون الكلام بيانا لوقاحة اخرى لهم وعدم ثباتهم على عهدهم ، أو المراد به الثّلج كما نسب الى الرّضا (ع) وكانوا لم يعهدوا مثله قبله (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) كما هو ديدن أرباب النّفوس الّتى هي كالخبيثات من النّساء (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) من عطف التّفصيل على الإجمال أو بتضمين انتقمنا معنى أردنا (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) من حيث انّها آيات ولذلك كذّبوا بها فيكون من العطف للتّعليل ، ورد في الخبر : انّ السّحرة لمّا سجدوا لموسى (ع) وآمن به النّاس قال هامان لفرعون : انّ النّاس قد آمنوا بموسى (ع) فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كلّ من آمن به من بنى إسرائيل فجاء اليه موسى (ع) فقال له : خلّ عن بنى إسرائيل ؛ فلم يفعل ، فأنزل الله عليهم في تلك السّنّة الطّوفان فخرّب دورهم ومساكنهم حتّى خرجوا الى البرّيّة وضربوا الخيام ، فقال فرعون لموسى (ع) : ادع حتّى يكفّ عنّا الطّوفان حتّى أخلّي عن بنى إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى (ع) ربّه فكفّ عنهم الطّوفان وهمّ فرعون ان يخلّى عن بنى إسرائيل فقال هامان : ان خلّيت عن بنى إسرائيل غلبك موسى (ع) وأزال ملكك فقبل منه ولم يخلّ عن بنى إسرائيل ، فانزل الله عليهم في السّنة الثّانية الجراد فجرّدت كلّ شيء كان لهم من النّبت والشّجر حتّى كانت تجرّد شعرهم ولحيتهم ، فجزع فرعون لذلك جزعا شديدا وقال : يا موسى ادع ربّك ان يكفّ عنّا الجراد حتّى أخلّي عن بنى إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربّه فكفّ عنهم الجراد فلم يدعه هامان ان يخلّى عن بنى إسرائيل ، فأنزل الله عليهم في السّنة الثّالثة القمّل فذهبت زروعهم وأصابتهم مجاعة شديدة ؛ فقال مقالته السّالفة فكشف عنهم القمّل وقال : اوّل ما خلق الله القمّل في ذلك الزّمان فأرسل عليهم بعد ذلك الضّفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ويقال : انّها تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم فجزعوا وقالوا مثل مقالتهم الاولى ولم يفوا ؛ فحوّل الله عليهم النّيل دما فكان القبطىّ رآه دما