واستغاثوا وقالوا (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) عظيما ولذلك قالوا افرغ اشارة الى كثرته تشبيها له بالماء الكثير ونكرّوا صبرا (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) لنبيّك مسلمين لقضائك ، نقل انّه فعل بهم ما أوعدهم ونقل ، انّه لم يتيسّر له (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) بعد ظهور امر موسى (ع) وقوّته لفرعون (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ارض مصر بتغيير الخلق ودعائهم الى مخالفتك وترك دينك وترك العبادة لك (وَيَذَرَكَ) اى عبادتك أو سلطنتك (وَآلِهَتَكَ) أصنامك الّتى تعبدها أو الأصنام الّتى صنعتها لان يعبدوها ليتقرّبوا بها إليك كما قيل : انّه صنع لهم أصناما ليعبدوها للتّقرّب اليه ، وقرئ والهتك مصدرا بمعنى عبادتك (قالَ) جوابا لهم (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) قاله إظهارا لتسلّطه وتسكينا لقومه مع خوفه من موسى (ع) ولمّا وصل ذلك الخبر الى موسى (ع) وقومه ورأى فزعهم من تهديده (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) تسلية لهم ووعدا (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) بالتّضرّع عليه والالتجاء اليه (وَاصْبِرُوا) على يسير أذاه (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) في موضع التّعليل (يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) لا لفرعون وقومه حتّى يفعلوا فيها ما يشاؤن فالتجئوا اليه واسئلوا منه وخافوا منه لا من غيره (وَالْعاقِبَةُ) الحسنى الّتى هي الآخرة ودار الكرامة (لِلْمُتَّقِينَ) الجزع عند الشّدائد ، وعد وتذكير لما وعدهم من إهلاك القبط وتسليطهم على مصرفى الدّنيا ومن الجنان في الآخرة (قالُوا) تضجّرا بوعده وعدم إنجازه (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) متسلّين بوعد مجيئك (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) فبم نتسلّى بعد مجيئك (قالَ) بعد تضجّرهم بوعده (عَسى رَبُّكُمْ) أتى بكلمة التّرجّى وصرّح بهم بعد ما وعدهم بالقطع وعرّض بهم خوفا من إنكارهم وردّهم وتسلية لهم تصريحا (أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) ارض مصر (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) السّنة غلبت على عام القحط ولذا أطلق السّنين (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) بعاهات اخرى غير الجذب (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) انّ الخصب والسّعة بقدرة الله لا باختيارهم فيؤمنوا برسله ولا يجحدوه ، فانّ المانع من قبول الحقّ هو قوّة الخيال وجولانه في الخواطر وعند الشّدائد يضعف الخيال ولا يمنع من تذكّر الحقّ وقبوله (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) بيان لغاية سفاهتهم ووخامة رأيهم حيث عقّبوا ما غايته التّذكّر وقبول الحقّ بالتّأنّف وجحوده ، وفي الإتيان بإذا ومضىّ الفعل وتعريف الحسنة اشارة لطيفة الى كثرة الحسنة بحيث لا ينكر تحقّقها ومعهوديّتها لكثرة دورانها بخلاف قرينتها فانّها لندورها كأنّها مشكوك فيها ولم تتحقّق وان تحقّق فرد منها فكأنّها امر منكور غير معهود ولذلك أتى بان واستقبال الفعل وتنكير السّيّئة فقال (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) والمراد بالحسنة هاهنا ما يعدّونه أهل الحسّ حسنة من الصّحة والخصب وسعة المال وبالسّيّئة ما يقابلها (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) كانوا إذا استقبلهم طائر وقتما أرادوا مهمّا فان طار الى اليمين أو الى اليسار تفأّلوا وتشأمّوا كما قيل (وقيل : كانوا يتشأّمون بالبارح وهو الّذى يأتى من قبل الشّمال ويتبرّكون بالسّابح وهو الّذى يأتى