فَظَلَمُوا بِها) يعنى ظلموها لانّهم وضعوا موضع الإقرار بما ينبغي الإقرار به لوضوحه وظهوره الكفر به ، ولذا بدلّ الكفر بالظّلم وعدّاه بالباء على تضمين معنى الكفر ، أو مثل معنى الإلصاق ، أو ظلموا موسى بسبب الآيات الّتى هي أسباب الطّاعة فيكون اشارة الى نهاية وقاحتهم وظلمهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من إغراق فرعون وملائه وإهلاك الأمم السّابقة بما اهلكوا به (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) إليكم (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) كان القياس ان يجعل ان لا أقول على الله الّا الحقّ مرفوعا بحقيق ويجعل مدخول على هو المتكلّم كما قرئ به ، لكنّه قلب مجازا للمبالغة في الصّدق كأنّه امر متجوهر والمتكلّم من أوصافه ، أو للاشارة الى ما هو حقيقة الأمر من اصالة الوجود واعتباريّة المهيّات فانّ الإنسان على المذهب الحقّ نحو من الوجود متحدّد بالحدود المتعيّنة ووصفات الوجود متّحدة معه والتّغاير في مفهومها فقط ، والحدود أمور اعتباريّة عدميّة لا حقيقة لها والوجودات الامكانيّة لا استقلال لها ولا انانيّة بل هي متعلّقات محضة وفقراء الى الله والله هو الغنىّ ، والانانيّة الّتى هي عبارة عن الاستقلال انّما هي باعتبار الحدود العدميّة فهي من اعتبارات الإنسان وتابعة لحقيقته لا انّها حقيقته فهي تابعة لصدقه الّذى هو حقيقته ، فصحّ ان يقال انا حقيق على الصّدق بهذا الاعتبار كما يصحّ ان يقال حقيق ان لا أقول على الله الّا الحقّ علىّ بتشديد الياء باعتبار ملاحظة مفهومى الانانيّة والصّدق وبهذا الاعتبار قيل : حقّ القضايا الّتى تنعقد بين الممكنات ان يجعل الموضوع نحوا من الوجود والمحمول مهيّة من المهيّات فيقال : الوجود إنسان مثلا ، لانّ الانسانيّة الّتى هي عبارة عن حدّ الوجود عرض تابع للوجود والوجود متبوع ، وقيل فيه بتضمين حقيق معنى حريص وكون على بمعنى الباء وغير ذلك من الوجوه ، وقرئ بوجوه أخر غير ما ذكر أيضا ، ولمّا كانت الدّعاوى العظيمة من شأنها ان لا يسامح فيها ولا تسمع الّا ببيّنة وشاهد بادر إليها قبل مطالبتها فقال (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) فاقبلوا قولي ولا تخالفوا (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ولمّا كان صحّة الدّعوى وسقمها منوطة بالبيّنة طالبها منه ولم يتعرّض لغيرها (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) اى من خواصّهم خطابا للملأ الاخرى حوله من غير الخواصّ ولعلّ فرعون شاركهم في هذا القول بقرينة قوله (فَما ذا تَأْمُرُونَ) فلا ينافيه ما في الشّعراء من قوله تعالى : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) ويحتمل ان يكون قوله تعالى : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ) مستأنفا من فرعون وان يكون هذا مع ما في الشّعراء في مجلسين (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) وتشيرون (قالُوا) قالت الخواصّ أو الملأ حوله غير الخواصّ (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) من الارجاء بمعنى التّأخير يعنى أخّر أمرهما حتّى يمكن لك التّدبير ، قرئ ارجئه على الأصل بسكون الهمزة وضمّ الهاء ، وارجئه بسكون الهمزة وكسر الهاء على خلاف القياس ، وارجهى من أرجيت بكسر الهاء مع الإشباع ، وارجه بكسر الهاء بدون الإشباع وارجه بسكون الهاء مع الإشباع وارجه بكسر الهاء بدون الإشباع وارجه بسكون الهاء ، تشبيها له بالواو والياء الضّمير من كما قيل ، أو تشبيها لهاء الضّمير بهاء السّكت أو اجراء للوصل مجرى الوقف (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) يعنى فأرسل وحشروا