أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) وقت ارتفاع الشّمس (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) لمّا كان المقام مقام التّهديد كرّر أهل القرى ولفظ بأسنا جريا على ما عليه العرف في المخاطبات فانّهم كثيرا ما يكرّرون الألفاظ من شدّة الغيظ أو لتمكين التّهديد (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) أتى بالفاء لتفاوت ما بين البأس حين الغفلة والمكر بخلاف بأس اللّيل وبأس الضّحى ، فانّ إتيان عذاب الله امّا مع تقدّم أمارات له أو من غير تقدّم أمارات وهو البأس بغتة حين النّوم أو حين اللّعب أو مع تقدّم أمارات ضدّه وهو المسمّى بالاستدراج والمكر لشباهته بمكر المخلوق (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) بنقص عقولهم الّتى هي بضاعتهم فانّ العاقل حين تجدّد النّعمة يحتمل النّقمة بالنّعمة فيخاف عاقبتها بخلاف الجاهل فانّ نظره الى صورة النّعمة لا يتجاوزها الى احتمال اندراج النّقمة فيها (أَوَلَمْ يَهْدِ) قرئ بالنّون وبالغيبة وعلى هذا القراءة فالفاعل ضمير المصدر اى الم يقع الهدى أو ضمير أخذ المكّذبين بما كانوا يكسبون ، أو الفاعل قوله ان لو نشاء أصبناهم يعنى الم يهد قدرتنا على الاصباة ان شئنا ، بمعنى علمهم بقدرتنا من ملاحظة حال الماضين (لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) اللّام للتّقوية أو لتضمين يهد معنى يبيّن اى الم يبيّن للّذين يرثون الأرض (مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) أو من بعد إهلاكنا أهل الأرض (أَنْ لَوْ نَشاءُ) اى انّه لو نشاء وهو مفعول ثان ليهد أو فاعل كما ذكر (أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) كما سمعوا وشاهدوا من الماضين (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) عطف على أصبناهم أو على الم يهد فانّ الاستفهام التّوبيخيّ يقرّر ما بعده نفيا كان أو اثباتا كأنّه قيل: ما يهتدون الى طريق الآخرة والتّوحيد ونطبع أو هو مستأنف بمعنى ولكن نطبع على قلوبهم (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) الخبر (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) بعض انبائها (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) استخدام في الضّمير أو المراد بالقرى أهلها مجازا (بِالْبَيِّناتِ) بأحكام الرّسالات أو الحجج والمعجزات الواضحات (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) دخول كان في مثله لتأكيد النّفى (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) من احكام العقل والنّبوّة التّكوينيّة ، فانّ من انقاد للعقل قبل ظهور دعوة النّبىّ يقبل دعوة النّبىّ ومن كذّب العقل يكّذب النّبىّ لا محالة لانّ النّبىّ عقل بوجه والعقل نبىّ بوجه ، أو بما كذّبوا في الّذرّ كما في الاخبار ، وبعد التّحقيق يرجع التّكذيب في الّذرّ والتّكذيب بالعقل الى امر واحد (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) يعنى كما طبع الله على قلوب أهل هذه القرى حتّى لا يؤمنوا مع ظهور الحقّ يطبع الله على قلوب جملة الكافرين (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) بمنزلة التّعليل للطّبع والمراد بالعهد هو العهد مع النّبىّ (ص) أو الولىّ وبعبارة اخرى هو عقد الإسلام أو الايمان ، أو المراد بالعهد هو الفعليّة الحاصلة من عقد البيعة يعنى ما عاهدوا أو عاهدوا وأبطلوا ؛ ولا ينافي ذلك ما ورد في الاخبار من تفسير العهد بوفاء العهد الحاصل في الّذرّ فانّ المراد بالوفاء بالعهد في الّذرّ هو قبول النّبوّة أو الولاية (وَإِنْ وَجَدْنا) انّه وجدنا (أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) خارجين من حكومة العقل ، فانّ الفسق هو الخروج من تحت حكم الله سواء كان على لسان النّبىّ الخارجىّ أو الباطنىّ وبعد تفسير العهد بما ذكر فالاولى تفسيره بالخروج من حكومة النّبىّ الباطنىّ موافقا لما سبق في تفسير قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا) التّسع (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ