هداية قوم ودعوتهم الى الحقّ ، سواء كان ذلك في العالم الكبير أو الصّغير بعث إليهم من يدعوهم اليه ليتحقّق الدّعوة وأخذ المدعوّين بالبأساء والضّراء ، ليستعدّوا بذلك ويرتفع المانع من قبول دعوة الدّاعى والحاجب من ظهور حقّيّته وليتضرّعوا ويلتجؤا بترك الاستبداد والانانيّة حتّى يستحقّوا بذلك رحمة الله وقبول دعوة الدّاعى (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) يعنى عادتنا الابتلاء تارة بالسّيّئات وتارة بالحسنات ليتمّ حجّتنا ودعوتنا ولم نجعلهم مسلوبي الاختيار في قبول الدّعوة فانّه في إجبارهم لا يحصل المطلوب من امتياز السّعيد عن الشّقىّ وعمارة الدّارين (حَتَّى عَفَوْا) محوا عن قلوبهم آثار البأساء والضّرّاء وألمهما أو محوا تضرّعهم والتجاءهم أو زادوا في المال والأولاد أو زادوا في العلم فبطروا (وَقالُوا) حالا أو قالا (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يعنى انّ الضّرّاء والسّراء من عادة الدّهر قالوا ذلك للتّلويح بانّه لا ينبغي ترك التّمتّع ولا الالتجاء والتّضرّع (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) من غير تقديم أمارات (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) لعدم تقدّم الأمارات (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) قرى العالم الكبير أو قرى العالم الصّغير (آمَنُوا) بالبيعة العامّة (وَاتَّقَوْا) بالبيعة الخاصّة فانّ التّقوى الحقيقيّة لا يمكن حصولها الّا بالولاية الحاصلة بالبيعة الخاصّة ، لانّ حقيقة التّقوى كما سبق هي التّحرّز عن الطّريق الحقيقيّة لا يمكن حصولها الّا بالولاية الحاصلة بالبيعة الخاصّة ، لانّ حقيقة التّقوى كما سبق هي التّحرّز عن الطّريق المعوجّة النّفس الّتى توصّل السّالك الى الملكوت السّفلى ، وبعبارة أخرى هي التّحرّز عن السّلوك الى الملكوت السّلفى ودار الجنّة ولا يمكن ذلك التّحرّز الّا بامتياز الطّريق المستقيم الّذى يوصل سالكه الى الملكوت العليا وسلوك ذلك الطّريق ، ولا يحصل الامتياز الّا بالولاية الحاصلة بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة لانّ بها انفتاح باب القلب الى الملكوت العليا وظهور طريقه إليها الّذى هو الطّريق المستقيم ، وللاشارة الى هذا المعنى أخّر التّقوى هاهنا عن الايمان وان كانت بمعنى آخر مقدّمة على الايمان ، أو المعنى ، لو انّ أهل القرى آمنوا بالايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة واتّقوا ما ينافي ايمانه الدّاخل في قلبه من الفعليّة الحاصلة في قلب المؤمن من قبول الولاية ومن الذّكر المأخوذ من صاحبه ومن الفكر الحاصل من مداومة الذكّر الّذى هو ملكوت الامام وصورته المثاليّة الّتى تظهر على قلب المؤمن السّالك ويشاهدها في مرآة صدره ؛ هذا في الكبير ، وامّا في الصّغير فالمعنى لو انّ أهل القرى آمنوا وأذعنوا بحكومة العقل ولا سيّما العقل المنقاد لولىّ الأمر وأطاعوه في حكومته واتّقوا من مخالفة احكامه (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) اعلم ، انّ الإنسان بحسب التّحليل الاوّل ينحلّ الى جزء روحانىّ سماوىّ وجزء جسمانىّ ارضىّ ، وله بحسب كلّ جزء حاجات وطلبات وملائمات ومنافرات وهما اللّتان يعبّر عنهما بالخيرات والشّرور ، والبركة هي الزّيادة والكثرة في الخيرات فاذا آمن الإنسان وانقاد لكثر خيراته الجسمانيّة الحاصلة من الأرض وخيراته الرّوحانيّة الحاصلة من السّماء ، وأيضا كثر خيراته الرّوحانيّة والجسمانيّة من اعتناق سماوات الطّبع مع ارض الطّبع ، ومن اعتناق سماوات الأرواح مع أراضي الأشباح النّوريّة والظّلمانيّة ذلك تقدير العزيز العليم (وَلكِنْ كَذَّبُوا) الرّسل (ع) وأوصياءهم (ع) والعقل وحكمه (فَأَخَذْناهُمْ) اى عاقبناهم (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من نتائج أعمالهم وتكذيبهم (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) امّا بتقدير معطوف بين الهمزة والفاء اى الم يؤمنوا بعد ذلك فأمنوا ، أو هو على التّقديم والتّأخير معطوف على أخذناهم بتقدير القول والتّقدير فيقال بعد ذلك : أأمن أهل القرى (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) والمقصود من أهل القرى المكّذبون لمحمّد (ص) والواقفون من الايمان به (أَوَأَمِنَ