الشّيطان فهو سيّئة في اىّ صورة كان وبحسب تفاوت درجات الطّاعة وقبول الحكومة تتفاوت درجات السّيّئة بالشّدّة والضّعف والصّغر والكبر ، فمن أراد طاعة الله ومتابعة أوامره فكلّما صدر عنه بحسب هذه الارادة فهو حسنة لكنّها ضعيفة وإذا علم انّ أوامر العقل الّتى هي أوامر الله لا تتميّز عنده عن أوامر الجهل الّتى هي أوامر الشّيطان بل لا بدّ من بصير نقّاد وذي قلب وقّاد اتّصل بالعقل وأخذ من الله حتّى يبيّن له أوامر العقل من أوامر الشّيطان وذلك النّقّاد هو النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) وعزم على الوصول اليه والأخذ منه ، فكلّما صدر عنه بحسب هذا العزم فهو حسنة أقوى من الاولى فاذا اتّصل بهذا العالم وعاهد معه وبايع على يده وانقاد له وأخذ الأحكام القالبيّة منه وهذا الأخذ والبيعة هو الإسلام فكلّما صدر عنه بحسب هذا الانقياد وهذا الأخذ فهو حسنة أقوى من سابقتها. وإذا علم انّ الإسلام واحكام القالب قوالب لأحكام الباطن ولا يمكن له الوصول الى حضرة العقل الّا من طريق الباطن ولا يمكن السّلوك من طريق الباطن الى تلك الحضرة الّا برفع المانع منه وارتكاب الباعث عليه وعلم انّه لا يمكنه معرفة المانع والباعث الّا بالأخذ من بصير حكيم وعزم على الوصول اليه والأخذ منه ففعله من جهة هذا العزم حسنة أقوى ، وإذا وصل الى هذا الحكيم وبايع معه على قبول احكام الباطن وأخذ احكام الباطن منه وذلك الأخذ والبيعة هو الايمان صار مؤمنا وصار أفعاله من هذه الجهة حسنات أقوى ممّا قبلها ، وللايمان بعد ذلك درجات حتّى وصل الى العقل وتحقّق به وحينئذ يصير أصل الحسنات وفرعها واوّلها وآخرها ؛ ان ذكر الخير كنتم أصله وفرعه واوّله وآخره ، وبالعكس من ذلك من تحقّق بالجهل فهو أصل السّيّئة وفرعها واوّلها وآخرها ومن تحقّق من افراد البشر بالجهل كان أقوى في السّوء من الجهل نفسه كما انّ المتحقّق بالعقل أقوى من العقل ، ولذا كان علىّ (ع) مقدّما على العقل وجبريل وعدوّه مقدّما على الشّيطان وكلّ ذي سوء حتّى يحمل عليه معصية كلّ ذي معصية ، ومن تمكّن في طاعة الجهل بحيث لم يبق عليه اثر من طاعة العقل فكلّما فعل فهو معصية كبيرة ومن لم يتمكّن في طاعة الجهل بل بقي عليه اثر من طاعة العقل أو ارادة طاعة العقل فما فعل من جهة طاعة الجهل فهو سيّئة مغفورة ان شاء الله ، ومن غلب عليه طاعة العقل أو ارادة طاعة العقل ويطرء عليه طاعة الجهل حينا فما فعل من جهة طريان طاعة الجهل فهو لمّة ممحوّة ان شاء الله ، وبين المراتب المذكورة في الحسنات والسّيّئات درجات غير محصورة بحسب الشّدّة والضّعف والمذكورة أمّهاتها ، هذا بحسب نسبة الحسنة والسيّئة الى الفاعل ؛ وبهذا الاعتبار يصير شرب دعبل صغيرة وصلوة النّاصبين كبيرة ولذلك ورد : لا صغيرة مع الإصرار ، اى مع التّمكّن في طاعة الجهل بحيث كلّما تمكّن من تلك المعصية وقع فيها : ولا كبيرة مع الاستغفار ، اى مع بقاء طاعة العقل بحيث يحمله على الاستغفار وقد تعتبر النّسبة بين أنواع الحسنات والسّيّئات مع قطع النّظر عن الفاعل أو مع اعتبارها الى فاعل واحد من جهة واحدة فيعدّ بعضها أحسن من بعض في الحسنات وبعضها اغلظ من بعض في السّيّئات ؛ كالوطى الحرام إذا اعتبر من فاعل واحد فانّه مع المحصنة والّذكران اغلظ من الوطي مع غير المحصنة ، والوطي مع امرأة غير محصنة اغلظ من الوطي مع البهائم ، والوطي الحرام اغلظ من النّظر الحرام ، فمعنى الآية ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه باجتناب التّمكّن في طاعة الجهل نكفّر عنكم سيّئاتكم الّتى تصدر عنكم بطاعة الجهل ونمحو لمّاتكم الّتى تعرض عليكم (وَ) بعد تكفير اثر الجهل الّذى يمنعكم من الدّخول في دار كرامتي ومحوه (نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) إدخالا أو مكانا كريما (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) التّمنّى طلب امر محال أو طلب شيء من غير تهيّة أسباب وصوله ويجوز ان يراد كلّ من المعنيين والمراد بما فضّل الله امّا النّعم الصّورية من سعة العيش والأمن والصحّة والقوّة والعظمة في الجسم