بخروجكم ، أقيموا معنا حتى نتهيّأ ، فإذا علمنا أنّ عدوّنا قد شارف بلادنا خرجنا كلّنا فقاتلناه ، فقال سليمان : قد خرجنا لأمر ، ولا نرانا إلا شاخصين إن شاء الله ، قال : فأقيموا حتى نعبّئ معكم جيشا كثيفا ، فقال : سأنظر ويأتيك رأيي.
ثم سار ، وخرج معه كل مستميت ، وانقطع عنه بشر كثير ، فقال سليمان : ما أحبّ أنّ من تخلّف عنكم معكم ، وأتوا قبر الحسين فبكوا ، وقاموا يوما وليلة يصلّون عليه ويستغفرون له ، وقال سليمان : يا رب إنّا قد خذلناه ، فاغفر لنا ، وتب علينا.
ثم أتاهم كتاب عبد الله بن زيد من الكوفة ينشدهم الله ويقول : أنتم عدد يسير ، وإنّ جيش الشام خلق ، فلم يلووا عليه ، ثم قدموا قرقيسياء ، فنزلوا بظاهرها وبها زفر (١) بن الحارث الكلابي قد حصّنها ، فأتى بابها المسيّب ابن نجبة ، فأخبروا به زفر (١) فقال : هذا وفارس مضر الحمراء كلها ، وهو ناسك دين ، فأذن له ولاطفه ، فقال : ممّن نتحصّن ، إنّا والله ما إياكم نريد ، فأخرجوا لنا سوقا ، فأمر لهم بسوق ، وأمر للمسيّب بفرس ، وبعث إليهم من عنده بعلف كثير ، وبعث إلى وجوه القوم بعشر جزائر وعلف وطعام ، فما احتاجوا إلى شراء شيء من السوق ، إلا مثل سوط أو ثوب ، وخرج فشيّعهم وقال : إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرّقّة : حصين بن نمير السّكونيّ ، وشرحبيل ابن ذي الكلاع ، وأدهم بن محرز الباهليّ ، وربيعة بن المخارق الغنويّ ، وجبلة (٢) الخثعميّ ، في عدد كثير ، فقال سليمان : على الله توكلنا ، قال زفر (١) : فتدخلون مدينتنا ، ويكون أمرنا واحدا ، ونقاتل معكم ، فقال : قد أرادنا أهل بلدنا على ذلك ، فلم نفعل ، قال : فبادروهم إلى عين الوردة ، فاجعلوا المدينة في ظهوركم ، ويكون الرّستاق والماء في أيديكم ، ولا تقاتلوا في فضاء ، فإنّهم أكثر منكم ، فيحيطون بكم ، ولا تراموهم ، ولا تصفّوا لهم ، فإنّي
__________________
(١) في الأصل «نفر» ، والتحرير من تاريخ ابن جرير ٥ / ٥٩٤ وغيره.
(٢) في نسخة القدسي ٢ / ٣٧٠ : «وحملة» ، والتصحيح من تاريخ لطبري.