ثم جاء شبيب فنازل الكوفة. وحفظ الناس السّكك ، وبنى شبيب مسجدا بطرف السّبخة ، فخرج إليه أبو الورد مولى الحجّاج في عدّة غلمان فقاتل حتى قتل (١).
ثم خرج طهمان مولى الحجّاج في طائفة ، فقتله شبيب (٢).
ثم إنّ الحجّاج خرج من قصر الكوفة ، فركب بغلا ، وخرج في جيش الشام ، فلما التقى الجمعان نزل الحجّاج وقعد على كرسيّ ، ثم نادى : يا أهل الشام ، أنتم أهل السّمع والطّاعة والصبر واليقين ، لا يغلبنّ باطل هؤلاء حقّكم ، غضّوا الأبصار ، واجثوا على الركب ، وأشرعوا (٣) إليهم بالأسنّة (٤).
وكان شبيب في ستّمائة ، فجعل مائتين معه كردوسا ، ومائتين مع سويد بن سليم ، ومائتين مع المحلّل بن وائل ، فحمل سويد عليهم ، حتى إذا غشي أطراف الأسنّة وثبوا في وجوههم يطعنوهم قدما قدما ، فانصرفوا ، فأمر الحجّاج بتقديم كرسيّه ، وصاح في أصحابه فحمل عليهم شبيب ، فثبتوا ، وطال القتال ، فلما رأى شبيب صبرهم نادى : يا سويد احمل على أهل هذه السّكّة لعلّك تزيل أهلها عنها ، فتأتي الحجّاج من ورائه ونحن من أمامه ، فحمل سويد على أهل السّكّة ، فرمي من فوق البيوت ، فردّ (٥).
قال أبو مخنف : فحدّثني فروة بن لقيط الخارجيّ قال : فقال لنا شبيب يومئذ : يا أهل الإسلام ، إنّما شرينا الله ، ومن شرى الله (٦) لم يكثر عليه ما أصابه ، شدّة كشدّاتكم في مواطنكم المعروفة ، وحمل على الحجّاج ، فوثب أصحاب الحجّاج طعنا وضربا ، فنزل شبيب وقومه ، فصعد الحجّاج على مسجد شبيب في نحو عشرين رجلا وقال :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢٦٩٦ ، تاريخ خليفة ٢٧٦ ، الفتوح ٧ / ٨٦.
(٢) الطبري ٩ / ٢٦٩ ، تاريخ خليفة ٢٧٦ ، الفتوح ٧ / ٨٥.
(٣) في نسخة دار الكتب «وأسرعوا» ، والتصحيح من نسخة حيدراباد ، والطبري.
(٤) الطبري ٦ / ٢٦٩.
(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٩ ، ٢٧٠.
(٦) في نسخة دار الكتب (إنما سرينا لله ومن سرى لله) وما أثبتناه عن نسخة حيدرآباد ، والطبري.