وإنّ رجلا قال له : بم سدت قومك؟ قال : بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عندك من أمري ما لا يعنيك (١).
وعنه قال : ما ينبغي للأمير أن يغضب ، لأنّ الغضب في القدرة لقاح السّيف والنّدامة.
وقال الأصمعيّ : قال عبد الملك بن عمير : قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب ، فما رأيت خصلة تذمّ إلّا رأيتها فيه ، كان ضئيلا ، صغير الرأس ، متراكب الأسنان ، مائل الذّقن ، ناتئ الوجه ، باخق العينين ، خفيف العارضين ، أحنف الرجل ، فكان إذا تكلّم جلا عن نفسه (٢).
باخق : منخسف العين.
وقال ابن الأعرابيّ : الأحنف الّذي يمشي على ظهر قدميه (٣).
وقال غيره : هو أن تقبل كلّ رجل على صاحبتها.
وللأحنف أشياء مفيدة أورد الحافظ ابن عساكر جملة منها (٤).
وكان زياد ابن أبيه كثير الرّعاية للأحنف ، فلما ولي بعده ابنه عبيد الله تغيّرت حال الأحنف عند عبيد الله ، وصار يقدّم عليه من دونه ، ثمّ إنّه وفد على معاوية بأشراف أهل العراق ، فقال لعبيد الله : أدخلهم على قدر مراتبهم ، فكان في آخرهم الأحنف ، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته ، وقال له : يا أبا بحر إليّ ، وأجلسه معه ، وأقبل عليه ، وأعرض عنهم ، فأخذوا في شكر عبيد الله ، وسكت الأحنف ، فقال معاوية له : لم لا تتكلّم؟ قال : إن تكلّمت خالفتهم ، فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت عبيد الله ، فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة ، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث ، وذكر كلّ واحد شخصا ، وتنازعوا ، فقال معاوية : ما تقول يا أبا بحر؟ قال : إن ولّيت أحدا من أهل بيتك لم تجد من يسدّ مسدّ عبيد الله ، قال : قد أعدته ، فلما خرجوا خلا
__________________
(١) التهذيب ٧ / ٢١.
(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٧ / ٢٦.
(٣) المصدر نفسه ٧ / ٢٦.
(٤) أكثر هذه الترجمة نقلها المؤلّف عن ابن عساكر ، رحمهماالله.