من هذا الجنس فظهر فيها أثر التكلّف ، وبان عليها سمة التعسف ، وسلم بعضها ولم يسلم بعض ؛ فمن ذلك ما روى أنه للخنساء :
حامى الحقيقة محمود الخليقة مه |
|
ديّ الطريقة نفاع وضرّار |
هذا البيت جيد ؛ ثم قالت :
فعّال سامية ورّاد طامية |
|
للمجد نامية تعنيه أسفار |
هذا البيت رديء لتبرئ بعض ألفاظه من بعض ؛ ثم قالت :
جواب قاصية جزّاز ناصية |
|
عقّاد ألوية للخيل جرّار |
آخر هذا البيت لا يجرى مع ما قبله ، وإذا قسته بأوله وجدته فاترا باردا ؛ ثم قالت :
حلو حلاوته فصل مقالته |
|
فاش حمالته للعظم جبّار |
وهذا مثل ما قبله ؛ وقول أبى صخر الهذلى (١) :
وتلك هيكلة خود مبتّلة (٢) |
|
صفراء رعبلة فى منصب سنم |
هذا البيت صالح ؛ وبعده :
عذب مقبّلها جذل مخلخلها |
|
كالدّعص (٣) أسفلها مخصورة القدم |
كأن قوله : «مخصورة القدم» ناب عن موضعه غير واقع فى موقعه ؛ وبعده :
سود ذوائبها بيض ترائبها |
|
محض ضرائبها صيغت على الكرم |
وهذا البيت أيضا قلق القافية ؛ وبعده :
سمح خلائقها درم مرافقها |
|
يروى معانقها من بارد شبم |
هذا البيت رديء لبعد ما بين الخلائق ، والمرافق ، وما بين الدّرم ، والسمح ؛ ولو لا أن السجع اضطره لما قال : سمح وليس لعظم مرفقها حجم (٤). وهذا مثل قول القائل لو قال : خلق فلان حسن وشعره جعد (٥). ليس هذا من تأليف
__________________
(١) نقد الشعر ٢٨.
(٢) الخود : الشابة. والمبتلة : الحسنة الخلق.
(٣) المخلخل : موضع الخلخال. والدعص : مجتمع الرمل.
(٤) هذا تفسير للدرم.
(٥) الجعد من الشعر : القصير.