الفصل الخامس والثلاثون
فى التلطف
التلطف |
وهو أن تتلطف للمعنى الحسن حتى تهجّنه ، والمعنى الهجين حتى تحسنه ؛ وقد ذكرت طرفا منه فى أوّل الكتاب ، إلا أنى لم أسمّه هناك بهذا الاسم فيشهر به ويكون بابا برأسه ، كإخوانه من أبواب الصنعة.
مثاله من النثر |
فمن ذلك أن يحيى بن خالد البرمكى قال لعبد الملك بن صالح : أنت حقود ؛ فقال : إن كان الحقد عندك بقاء الخير والشر فإنهما عندى لباقيان. فقال يحيى : ما رأيت أحدا احتجّ للحقد حتى حسّنه غيرك. وقد مر هذا الفصل فى أول الكتاب.
ورأى الحسن على رجل طيلسان صوف ، فقال له : أيعجبك طيلسانك هذا؟ قال : نعم ، قال : إنه كان على شاة قبلك ، فهجّنه من وجه قريب.
وأخبرنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا الصولى ، قال : حدثنا محمد بن القاسم أبو العيناء ، قال : لما دخلت على المتوكل دعوت له ، وكلمته فاستحسن كلامى ؛ وقال لى : يا محمد ؛ بلغنى أنّ فيك شرا ، قلت : يا أمير المؤمنين ، إن يكن الشّرّ ذكر المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، فقد زكّى الله عزوجل وذم؟ فقال فى التزكية : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ؛ وقال فى الذم : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) ، فذمه الله تعالى حتى قذفه ؛ وقد قال الشاعر :
إذا أنا بالمعروف لم أثن دائما |
|
ولم أشتم الجبس اللّئيم المذمّما |
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه |
|
وشقّ لى الله المسامع والفما |
وفى الخبر بعض طول.
وكان عبد الله بن أمية وسم دوابّه «عدّة» ، فلما جاز بها الحجاج جعل إلى جانبه «للفرار». وقيل لعبادة : إن السّودان أسخن ، فقال : نعم ، للعيون. وقال رجل