قد جاء فى كثير من ازدواج الفصحاء ما كان الجزء الأخير منه أقصر ، حتى جاء فى كلام النبى صلىاللهعليهوسلم منه شيء كثير. كقوله للأنصار يفضّلهم على من سواهم : «إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطّمع». وقوله صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله من قال خيرا فغنم ، أو سكت فسلم». وكقول أعرابى : فلان صحيح النسب ، مستحكم السبب ، من أى أقطاره أتيته أتى إليك بحسن مقال ، وكرم فعال. وقال آخر من الأعراب : اللهم اجعل خير عملى ما ولى أجلى.
وينبغى أيضا أن تكون الفواصل على زنة واحدة ، وإن لم يمكن أن تكون على حرف واحد ، فيقع التعادل والتوازن ، كقول بعضهم : اصبر على حرّ اللقاء ، ومضض النزال ، وشدة المصاع (١) ، ومداومة المراس. فلو قال : على حرّ الحرب ، ومضض المنازلة ، لبطل رونق التوازن ، وذهب حسن التعادل.
ومن عيوب الازدواج التجميع ؛ وهو أن تكون فاصلة الجزء الأول بعيدة المشاكلة لفاصلة الجزء الثانى ؛ مثل ما ذكر قدامة : أن كاتبا كتب : وصل كتابك فوصل به ما يستعبد الحرّ ، وإن كان قديم العبودية ، ويستغرق الشكر ، وإن كان سالف ودك لم يبق منه شيئا ؛ فالعبودية بعيدة عن مشاكلة منه.
ومن عيوبه التطويل ؛ وهو أن تجيء بالجزء الأول طويلا ، فتحتاج إلى إطالة الثانى ضرورة ، مثل ما ذكر قدامة : أن كاتبا كتب فى تعزية : إذا كان للمحزون فى لقاء مثله أكبر الراحة فى العاجل ... فأطال هذا الجزء وعلم أن الجزء الثانى ينبغى أن يكون طويلا مثل الأول وأطول ، فقال : وكان الحزن راتبا إذا رجع إلى الحقائق وغير زائل. فأتى باستكراه ، وتكلّف عجيب.
وقد أعجب العرب السجع حتى استعملوه فى منظوم كلامهم ، وصار ذلك الجنس
__________________
(١) المصاع : القتال والمجالدة.