وإنما كان عرّض بعبد الملك وكان ولد لسبعة أشهر.
وربما كانت البلاغة سببا للحرمان. وأسباب الأمور طريفة والاتفاقات عجيبة : أخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان ، قال : كتب بعضهم إلى المنصور كتابا حسنا بليغا يستمنحه فيه. فكتب إليه المنصور : البلاغة والغنى إذا اجتمعا لامرئ أبطراه ؛ وأمير المؤمنين مشفق عليك من البطر ، فاكتف بأحدهما.
وقوله (١) : «ربما كانت البلاغة فى الاستماع» ، فإنّ المخاطب إذا لم يحسن الاستماع لم يقف على المعنى المؤدّى إليه الخطاب. والاستماع الحسن عون للبليغ على إفهام المعنى.
وقال إبراهيم الإمام : حسبك من حظّ البلاغة ألّا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق ، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع. وقال الهندى أيضا : البلاغة وضوح الدّلالة ، وانتهاز الفرصة ، وحسن الإشارة. وقول عبيد الله بن عتبة : البلاغة دنوّ المأخذ ، وقرع الحجة ، وقليل من كثير.
فأما البصر بالحجّة فمثل ما أخبرنا به أبو أحمد عن أبيه عن عسل قال : قال الهيثم بن عدى : أنبأنى عطاء بن مصعب ، قال : كان أبو الأسود شيعة لعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، وكان جيرانه عثمانية فرموه يوما ؛ فقال : أترمونني؟ قالوا : بل الله يرميك. قال : كذبتم ، إنكم تخطئون ، وإنّ الله لو رمانى لما أخطأ. وقال بعضهم لأبى على محمد بن عبد الوهاب : ما الدليل على أنّ القرآن مخلوق؟ قال : إن الله قادر على مثله. فما أحار السائل جوابا.
ومثل ذلك ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ وهو يومئذ خليفة وكان على المنبر يخطب فى يوم جمعة ، فدخل عثمان بن عفّان رضى الله عنه عليه. فقال عمر : ما بال أقوام يسمعون الأذان ويتأخّرون؟ فقال عثمان : والله ما تأخّرت إلّا ريثما توضّأت. فقال عمر : وهذا أيضا ، أما سمعت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من أتى الجمعة فليغتسل».
__________________
(١) من كلام ابن المقفع ص ١٤ وعبارته هناك : «ومنها ما يكون فى الاستماع».