(وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) في الدنيا في ما يتمثل به الوعي الإيماني في طريق الهدى الذي يضيء للناس طريقهم ، فلا تشتبه عليهم المواقف ، ولا تنحرف بهم المواقع ، كما يضيء لهم آفاق الفكر في ما يواجهونه من شبهات وإشكالات في الآخرة ، حيث يتحرك النور بين أيديهم وعن أيمانهم ، ليسيروا به في طريقهم إلى الجنة ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا هو الفضل الإلهي الذي يناله المؤمنون من خلال أعمالهم الصالحة في آفاق الإيمان بالله ورسوله.
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) قيل : إن لا زائدة ، والتقدير ليعلم أهل الكتاب في ما يواجهونه من مواقف المؤمنين السائرين في خط هذا الإيمان الذي يؤتيهم الله أجرهم مرتين ، ويعطيهم النور الذي يمشون به والمغفرة التي يعيشون معها في رضوان الله ونعيم الجنة ، (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) لأنهم لا يؤمنون برسول الله ، فلا ينتفعون بإيمانهم ولا يحصلون على شيء من الفضل الإلهي ، على هذا الأساس.
وذكر صاحب تفسير الميزان : والمعنى إنما أمرناهم بالإيمان بعد الإيمان ، ووعدناهم كفلين من الرحمة ، وجعل النور والمغفرة لئلا يعتقد أهل الكتاب ، أن المؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله ، بخلاف المؤمنين من أهل الكتاب حيث يؤتون أجرهم مرتين أن آمنوا (١).
وهو خلاف الظاهر ، لأن الظاهر أن المراد هو عدم قدرة أهل الكتاب على شيء من فضل الله ، لا عدم قدرة المؤمنين على ذلك في اعتقاد أهل الكتاب ، ولو كان المراد به ذلك لكان من المفروض التعبير ب «لا تقدرون» كما هو مقتضى سياق الخطاب ، وأما ما ذكره من أن في الآية التفاتا لخطاب
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ١٩ ، ص : ١٨١.