النجوى في مواقعها وإيحاءاتها
يتحدث الله عن النجوى التي تحدث في الموارد التي لا يريد المتحدثون فيها أن يطّلع عليها الآخرون ممن لا علاقة لهم بها ، أو ممن كانت موجهة ضدهم. وقد تحدث في بعض الحالات كنتيجة لإيجاد حالة نفسية صعبة عند بعض الناس ، انطلاقا من الإيحاء بالخوف الذي قد يثيره الشعور بحركة الأجهزة الخفية السرية في إدارة الأحاديث الخاصة للتخطيط للإضرار بهم.
وهذا هو الموضوع الذي أرادت هذه الآيات أن تعالجه في دائرة الإيمان بالله الذي يوحي بالرقابة الشاملة التي لا تغفل عن أيّ شيء ، مهما كان دقيقا أو خفيا ، وفي دائرة الواقع الذي يدور فيما بين الناس حول النجوى ، وفي ضرورة التأكيد على الجانب الإيجابي في مضمونه ، والابتعاد عن الجانب السلبي ، وفي تأثيراته النفسية.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فذلك هو الخط العقيدي الذي يصل إلى مستوى الوضوح ، كما لو كان أمرا محسوسا مرئيا بالعين المجردة ، لأن خالق الكون كله ، والمهيمن على الأمر كله في تدبيره وتنظيمه ، لا بد من أن يكون محيطا بكل شيء ، فلا تخفى عليه خافية من خفايا خلقه ، (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) لأنه الحاضر الذي لا يغيب عن أحد ، ولا يغيب عنه أحد ، لأن الكون لديه بمنزلة سواء ، في حضوره عنده ، وفي حضوره فيه.
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) في ما يوحي به ذلك من معنى المسؤولية الجزائية في عقاب الله ، ليتحول الإحساس بالرقابة الإلهية الخفية الشاملة إلى إحساس بالمسؤولية الدقيقة التي تلاحق الإنسان في سره ، كما تلاحقه في علانيته ، فليس لدى الله في ما يعلمه من شؤون خلقه سرّ وعلانية ، بل الأمر في