تسبيح ما في السماوات والأرض لله
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) في تعبير الكون كله في وجوده وفي لغته الخاصة عن تعظيم الله في خضوع كل الموجودات لقدسه وجلاله ، (لَهُ الْمُلْكُ) فلا يملك أحد شيئا إلا من خلاله ، لأنه المالك لكل شيء من موقع خلقه له ، (وَلَهُ الْحَمْدُ) فهو الذي يمنح الأشياء كل مفردات الحمد فلا حمد لأحد أو لشيء إلا من خلال الخصائص التي يعطيها له ، فله الحمد كله ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يعجز عن أي شيء مهما كان عظيما ، لأن الوجود كله منقاد إليه من موقع سيطرته عليه ، فلا حدّ لقدرته في ما يريده منه.
وتلك هي الصورة الشاملة في التصور الإنساني لله ، بحيث لا يرى هناك أي شيء حوله إلا ويرى الله مهيمنا عليه ، ولا يرى عظمة لشخص أو ملكا له إلا ويرى الله هو الأساس في ذلك كله ، مما يوجب أن يصغر كل شيء في وعيه ، وأن يتضاءل كل عظيم لديه أمام الله ليتحرك في حياته من خلال هذا الموقع المطلق لله في وجدانه وفي حركته.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) وهذه هي الحقيقة الوجودية التي تحكم وعي الوجود في حياتكم. فقد كنتم حالة ضائعة في العدم ، فأوجدكم الله بحكمته وقدرته ، وأطلق لكم حرية الاختيار في الالتزام بالخط الذي تريدونه فلم يفرض عليكم في تكوينكم الذاتي إيمانا ولا كفرا ، فانطلقتم في الحياة من موقع الاختيار الجيد لبعضكم ، والاختيار السيئ لبعض آخر.
(فَمِنْكُمْ كافِرٌ) أساء عملية الاختيار فأغلق عقله وقلبه عن وحي الفطرة ، وأغمض عينيه عن مشاهد العظمة في خلق الله ، وابتعد عن التفكير في ما توحي به الظواهر الكونية التي تدل على الله أبلغ تعبير وأعظم تحليل ، فعاش اللامبالاة أمام كل علاقات الاستفهام التي تتحرك في وجدانه لتقود تفكيره إلى خط الإيمان بالله ، فكفر به من حيث يستطيع الإيمان به.