أهل الضلال : متبوعيهم وتابعيهم ، فالمتبوعون وهم المستكبرون يغبنون تابعيهم وهم الضعفاء ، حيث يأمرونهم بأخذ الدنيا وترك الآخرة ، فيضلون ، والتابعون يغبنون المتبوعين حيث يعينونهم في استكبارهم باتباعهم فيضلون ، فكل من الفريقين غابن لغيره ومغبون من غيره.
ولعل الأساس في هذا الوجه هو ملاحظة صيغة التفاعل في كلمة التغابن ، ولكن الظاهر أنها لم ترد بهذا المعنى ، لأن الظاهر أن المخاطب به كل فرد ممن يجمعهم الله ، حيث يواجه الناس مواقعهم في يوم القيامة ، فيحس كل إنسان بأنه مغبون في ما حصل عليه ، لأن من الممكن أن يكون حظه أكبر. وقد نستطيع تطبيق الصيغة على التفاعل ، وذلك بنحو التجريد ، بأن يجرد الإنسان من نفسه شخصا غابنا في ما توحي به نوازعه من أعمال ، وشخصا مغبونا في ما يخضع له من مؤثرات ويتحرك فيه من خطوات. وهذا مما يكثر الاستعمال فيه ، في مواجهة الإنسان لنفسه ، وجهاده لها ، مع أنه لا مجال للتفكيك بين الإنسان ونفسه ، إلا بنحو التجريد الذي يجعل في داخله نفسا أمارة بالسوء ، ونفسا ناهية عنه ، والله العالم.
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) على أساس القاعدة الشرعية القرآنية : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤] ، فيرفع الله عن الإنسان سيئاته ببركة حسناته ، (وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) وهو الجزاء الكبير على استقامته في خط الإيمان والعمل الصالح. (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي يمثل العنوان الكبير للنتيجة الطيبة التي يحصل عليها المؤمنون الصالحون ، في مواجهة الخسارة التي تحصل للكافرين ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) لأنهم تنكروا للحق ، وابتعدوا عن الله بعد أن قامت عليهم الحجة من كل جانب.
* * *