(يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من موقع خلقه لكل الموجودات الحية والجامدة ، الذي يفرض إحاطته الشاملة بكل خصائصها الوجودية ، في ما هي البداية والنهاية وخط السير ، وتفاصيل الأوضاع ، وتلك هي الحقيقة الإيمانية التي لا بد للمؤمن من أن يعيشها في وجدانه الإيماني ليشعر بالثقة ، لأن الذي يتولى تدبيره ورعاية وجوده من موقع الحكمة والرحمة ، يملك الإحاطة بكل الأشياء الخفية أو الظاهرة بكل دقائقها ، فلا يغيب عنه شيء مما يحتاج إليه الإنسان في ما ينفعه ، أو مما يخافه في ما يضره ، فيبادر إليه من موقع قدرته ليجلبه له ، أو ليدفعه عنه.
(وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) فالإنسان مكشوف لله تعالى بسره وعلانيته. وهذه الحقيقة يجب أن تشكل هاجسا أساسيا ومحوريا للإنسان المؤمن في حركة حياته الخاصة والعامة ، وفي إطار ما يتحمله من أعباء ومسئوليات ، فالله تعالى لا يخفى عليه من نوايانا وأفعالنا شيء ، مهما كان الأمر خفيا ولطيفا ودقيقا قال تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، وهي المنطقة التي يخفي الإنسان في داخلها أسراره الخاصة ، في ما يريد أن يقوم به من عمل مستقبلي ، أو في ما تتحرك به دوافعه في كل مشاريعه الخيرة أو الشريرة.
فلا بد إذن ، من أن يستحضر الإنسان هذه الحقيقة في وعيه الإيماني العملي ، ليشعر بالحضور الإلهي الشامل في عمق وجوده ، وليعيش في أجواء الرقابة الإلهية عليه ، فتصفو بذلك نيته ، ويصلح عمله ، وتستقيم خطاه في الطريق المستقيم.
* * *