(يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) ، فليست صفتي بينكم صفة الشخص العادي الذي ينتمي إليكم لتعاملوني كما يعامل يعضكم بعضا ، بل إن صفتي هي صفة الرسول الذي أرسله الله إليكم ليهديكم وينقذكم من ظلم المستكبرين ، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) [القصص : ٥] ، وليحقق لكم النتائج الكبيرة في ما هو الخير والسعادة في الدنيا والآخرة. ولو كنتم تجهلون هذه الصفة الرسالية في موقعي ، فقد يكون لكم عذر في ذلك ، ولكنكم تعلمون أني رسول الله إليكم ، فلا عذر لكم في ما تفعلونه ، لأنكم لا تتمردون علي بما تفعلونه ، بل تتمردون على الله ، مما يجعل الألم الذي أحس به ألما رساليا لا ألما ذاتيا. ولكنهم استمروا في ضلالهم وابتعادهم عن المنطق ، (فَلَمَّا زاغُوا) عن الخط المستقيم بعد كل تلك الدعوة والمعاناة ، وامتدوا في ذلك (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فانحرفت عن السبيل السويّ ، في ما تفكر ، وفي ما تشعر ، لأن الممارسة في الطريق الخطأ تحول الخطأ إلى حالة عقلية وشعورية ، بفعل الاستمرار ، مما يجعل الضلال حالة طبيعية من خلال ارتباط المسببات بأسبابها. وهذا هو معنى نسبة الزيغ إلى الله باعتبار أنه هو الذي ربط النتائج بمقدماتها. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لأنهم إذا اختاروا الضلال بعد أن انفتح لهم طريق الهدى ، فإن الله يتركهم لضلالهم ، بعد إقامة الحجة عليهم من جميع الجهات.
* * *