سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها ـ مسافر من بني مخزوم ، وقال مقاتل : هو صيفي بن الراهب في طلبها ـ وكان كافرا ، فقال : يا محمد رد عليّ امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فأنزل الله تعالى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) (١).
ربما كانت هذه الرواية صحيحة بالنسبة للأجواء التي أحاطت بالمضمون التشريعي للآية ، فتكون القضية هي أن توقف النبي عن إرجاع هذه المرأة ، قد يكون ناشئا من ملاحظته أن المعاهدة لا تشمل النساء ، بل تختص بالرجال (٢) ، في ما يمكن أن يكونوا قد لاحظوه من الخوف على هروب الرجال إلى النبي ، بعد أن أصبح في موقع القوة التي تجذب الناس إليه في ذلك المجتمع الذي يخضع للقوة رغبة أو رهبة ، مما قد يضعف مواقع المشركين ، أما النساء فليست واردة في الحساب ، لأنها ليست في الموقع الذي يمكنها من الهرب في وعي المجتمع هناك ، الأمر الذي لا يجعل القضية ملحوظة في المعاهدة وقد جاء الوحي مؤكدا لذلك. وربما كانت القضية لديه أنه كان لا يملك تشريعا منزلا من الله في هذه الواقعة ، فهل يحل إرجاع المرأة المسلمة إلى الزوج الكافر ، أو لا يحل ذلك؟ لأن التشريع المتدرج لم يكن قد تعرض إلى ذلك ، أو أنه لم يدخل في مفردات التفاصيل بحيث تشمل مثل هذه الحالة التي تدخل في صلب المعاهدة ، في ما يمكن أن يكون بمثابة الاستثناء من القاعدة
__________________
(١) أسباب النزول ، ص : ٢٣٦.
(٢) قال الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء ، ولم يجز للنساء ذكر ، وإن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة ، فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله (ص) ردّها عليهما ، فقال رسول الله (ص) ، إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء ، فلم يردها عليهما.
تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٢٥٤.