الفردي ومن هنا كانت الآية في مورد تأكيد القوّة في الموقف ، في ما توحي به كلمة الانتصار من المعنى ، لتكون المسألة أن يأخذ الإنسان بأسباب القوّة التي تتوازن ، ولا تعتدي ، وتفكر ولا تنفعل ، وتحسب حسابات الحركة التي قد تؤدي بها إلى أن يكون الموقف هو موقف العفو الذي يؤكد القوّة لأنه يكون عفوا عند المقدرة ، مما يجعل تأثيره على العدو في الانتصار المعنوي ، أكثر من الأخذ بالانتصار بالقوّة الجسدية القاهرة.
* * *
بين حق الانتصار للنفس والعفو
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) على أساس العدل الذي يقوم على المعاملة بالمثل ، فلا يزيد حجم العقاب على حجم الجريمة ، فذلك هو المقدار المسموح به .. (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فتنازل عن حقه من موقع القدرة على أخذه ، انطلاقا من روحية التسامح في شخصيته ، وترفعا عن الانتقام لنفسه وتقرّبا إلى الله بذلك ، وأصلح أمره في ما بينه وبين ربّه في ما يقصده من الانسجام مع خط الإصلاح المنفتح على خط الاستقامة في السلوك ، فإن الله يعامله بالحسنى ويعطيه أجر الصابرين العافين عن الناس ، وهو أجر عظيم في حساب الله.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ، ولذلك أباح للمظلومين الانتصار عليهم ، وأوجب ذلك عليهم أحيانا ، لكنه لم يرخّص لهم أن يأخذوا أكثر من حقّهم لأنهم يتحولون بذلك إلى ظالمين في تلك الزيادة (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) فلهم الحق بالانتصار لأنفسهم ، فإذا أخذوا حقهم لم يكن هناك أيّ وضع سلبيّ ضدّهم ، لأن العفو عن الظلم ليس أمرا إلزاميّا ولكنه أمر راجع إلى صاحب الحق ، إن اختاره كان له الأجر عند الله لأن العفو يدلّ على السموّ الروحي والأخلاقي الذي تتمتع به شخصيته الدينية ، وإن اختار الانتصار لنفسه ، فلا