العلم ، فلم يكن لديهم أيّ معرفة يستطيعون بها الحصول على وضوح الرؤية الفكرية في هذه المسألة ، بل انطلقوا في مواقفهم من حالة وراثية يقلّد فيها الآخرون الأولين على أساس النسب أو البيئة ، أو الموقع الديني ، (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) والريبة فيه هي نتيجة ما يحملونه عنه من تصور ، أو نتيجة الخلفيات الذاتية المعقدة التي تكمن وراء ذلك ، لأنهم لا ينطلقون ، في موقفهم من الرسالة الجديدة والوحي الجديد ، الذي جاء مصدّقا لما معهم ، من قاعدة فكرية للرفض ، بل من عصبية دينيّة ، لا تحمل من الدين معناه وروحيته وحيويته ، بل تحمل منه الانفعالات التي توحي لهم بأن الدين يقف عندهم ليكون خاتمة لكل وحي ورسالة ، فلا يسمحون لوضوح الرؤية بأن ينفذ إلى تصوراتهم من خلال الحجج التي يقدمها الكتاب الجديد والرسول الجديد.
* * *
ادع واستقم كما أمرت
(فَلِذلِكَ) أي لأن الله شرع لكم هذا الدين وأراد منكم أن تقيموه على أصوله ، وأن تثبتوا عليه وتثبّتوه بالكلمة والممارسة ، وأن تجعلوا مفاهيمه أساسا للوحدة ، ولا تتفرقوا فيه ليأخذ كل فريق منكم جانبا منه مما ينفعه في ذاتيته وأنانيته ، ويترك الجانب الآخر الذي لا يتوافق مع ما يريده ، (فَادْعُ) إلى هذا الدين بكل ما تملكه من وسائل الدعوة بما يقيمه في الحياة ، ويثبته في العقول والمشاعر ، (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) في خطه المستقيم الذي يصل البداية بالنهاية ، فيبدأ من الله ويتحرك في خط دينه وشريعته ، وينتهي إليه في الإخلاص له ، والانطلاق مع رضوانه ، فإن الاستقامة تعني الوقوف مع كل حكم من أحكامه ، ومع أيّ مفهوم من مفاهيمه بكل دقة واتزان من دون أن ينحرف عنه ذات اليمين وذات الشمال ، وهي تمثّل ـ إلى جانب ذلك ـ عمق الالتزام الروحي بالدين والانسجام مع كل مفرداته من دون زيادة ولا نقصان.