ملائكة السماء المستغفرون لأهل الأرض
(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وأخلصوا لله الإيمان ، وطاف بهم الشيطان في بعض مواقع لهوه وعبثه وغروره ، ثم عادوا إلى الله في روحية الإيمان لتتلقاهم الملائكة في ابتهالات الدعاء الذي يؤكد استغفارهم باستغفار ملائكي حميم : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) فأنت الرحيم بعبادك ، العالم بكل الظروف الداخلية والخارجية التي فرضت عليهم الانحراف وأوقعتهم في المعصية ، وأبعدتهم عنك (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) واستغفروا في ندم عميق على ما أسرفوا به على أنفسهم ، وخالفوا به ربهم ، فرجعوا إليك (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) وساروا على هداك ، والتزموا شريعة رسلك ، (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) لأن انحرافهم لم يكن عميقا ، أو ممتدا في كل حياتهم ؛ بل كان طارئا ، خاضعا لنزوة طارئة ، أو شهوة عابرة ..
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) إذا تابوا وآمنوا وأصلحوا أعمالهم واستقاموا في الخطّ الصحيح (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) ليعيش المؤمنون في الآخرة حياتهم العائلية التي عاشوها في الدنيا ، عند ما كانوا يمثلون مجتمع الإيمان والصلاح في علاقات القربى التي عاشت مع الإيمان (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا تمثل مغفرته للعاصين انتقاصا من عزته وحكمته ، لأن الرحمة تمثل مواقع القوّة لا مواقع الضعف ، ومعنى الحكمة لا مضمون العبث.
(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) فلا تؤاخذهم بها بعد أن ابتعدوا عن كل معانيها وعن كل إيحاءاتها بالتوبة (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) لأن معنى ذلك هو دخولهم الجنة ، ونيل رضاك (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لأنه الغاية العظمى التي يتطلع إليها المؤمنون ، في طموحاتهم الأخرويّة. واحتمل بعض المفسرين أن يكون المراد بالسيئات هي الأهوال والشدائد التي تواجههم يوم القيامة غير عذاب الجحيم ، وهو غير ظاهر ..
* * *