ويبتعد عن مواجهة الفكر الإشراكي في خططه ووسائله وأهدافه ، ولكنه صمد أمام عوامل الترغيب والترهيب ، والإيذاء والتنكيل ، والشتم والاضطهاد ، فاجتمعوا في مؤتمر تآمري ضمّ كبار القوم ، فقال قائلهم : نثبته في بيت ونوثقه ، وقال آخر : بل نقتله ، وقال ثالث : بل نخرجه من بلادنا ... واختلف الرأي فيما بينهم. ثم اتفقوا على أن يقتلوه بمشاركة كل بطون قريش ، حتى يضيع دمه فيما بينهم. ولكن الله أطلع نبيه على ذلك ، وأمره بالهجرة إلى المدينة ، حيث كان قد أعدّ للأمر عدّته في ما اتفق عليه مع الأوس والخزرج على أن ينطلقوا معه في خط الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ، فيمنعونه مما يمنعون به أنفسهم وأهليهم وأموالهم ... وهكذا أبطل الله مكرهم وتدبيرهم الخبيث بأقوى منه ، حيث خطط لنبيه طريق الهجرة بكل دقّة ونجاح ، وانطلق الإسلام من خلال ذلك انطلاقته الكبرى في خط الدعوة والجهاد من خلال الرحمة والقوة.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) على ضوء ما تقدم من معنى «المكر» في «معاني المفردات» ، فإن الكلمة لا تدل على معنى سيّئ ليقول قائل إن نسبة المكر إلى الله جارية على سبيل المحاكاة ورد الفعل لا على سبيل الحقيقة. (لِيُثْبِتُوكَ) الإثبات الحبس ... (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة ، (وَيَمْكُرُونَ) في ما يدبرونه من خطط للقضاء على النبي وعلى دعوته (وَيَمْكُرُ اللهُ) بما يدبّره من إبطال كيدهم ومكرهم ، وبما يسهله لرسوله من الوصول إلى أهدافه ، (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) وخير المدبّرين ، فإذا أراد شيئا هيّأ أسبابه ..
* * *