وهكذا أفاضت السورة في الحديث عن الخط الإسلامي لقضايا الحرب والسلم ، لتؤكد الحقيقة الإنسانية في اعتبار السلم أساسا لحركة الحياة ، إذا توفرت لها العناصر اللازمة لاستمرار مبادئها في الخط السليم ، لأن الحرب ليست حالة طبيعيّة تحكم علاقة الإنسان بالإنسان ، بل هي حالة طارئة تحكم الواقع من أجل مواجهة التحدّيات الصعبة في قضايا الحق والباطل ، لئلا تسقط الحياة في قبضة الباطل. وكانت هناك تفاصيل متعددة للأجواء التي ينبغي أن تسود الحياة الإسلامية في علاقات المسلمين ببعضهم البعض ، وفي التزامهم بالدقّة والانضباط والسرّية والإخلاص لأمانة المسؤولية ، ومواجهتهم الموقف بروح جماعيّة في عملية التزام وولاية وانفتاح على المستقبل في كل خطوات الحاضر ، ذلك هو الأسلوب القرآني الذي يتحرك في معالجة القضية في أكثر من اتجاه ، فنرى الجانب العسكري يلتقي بالجانب الروحي ، كما نلاحظ ارتباط الجانب الاجتماعي بالجانب الأخلاقي ، لأن الشخصية الإنسانية ليست أحادية الاتجاه ، فلا يمكن أن نواجه عملية البناء فيها بأسلوب التجزيئية التي تبحث كل حالة فيها على حدة ، بل لا بد لك من أن تتحرك فيها من موقع الوحدة التي تمتزج فيها كل عناصر الشخصية المتداخلة في عملية الحركة والوجود. وهذا ما يمثله خط التوازن في حركة الشخصية الإسلامية ، فليس هناك جانب ماديّ منفصل عن الجانب الروحي ، وليست هناك حالة فردية منفصلة عن الحالة الاجتماعية. وقد يكون أسلوب السورة الرائع في معالجة قضية الحرب والسلم من أوضح الأمثلة على هذا الخط.
* * *