السورة على كل هذه العناصر في عملية تقييم ودراسة ونقد وتوعية من أجل أن يقوم المسلمون بتنمية إيجابيات القوة ، وتحويل السلبيات في نقاط الضعف إلى مصدر قوّة. ولذلك فإنها لم تعمل على إخفاء نقاط الضعف ، كما يفعل المنتصرون الذين لا يطرحون النتائج إلا من خلال الصورة المشرقة للأشياء ، أما الصور القاتمة فإنهم يضعونها بعيدا عن العيون ، لأنهم لا يريدون إلا إثارة الزهو في الساحة من خلال مظاهر النصر ؛ ولكن الله يريد للمعركة أن تكون تجربة حية للإنسان ، تبني له شخصيته في ما تعطيه من دروس وعبر ، وما تثيره في داخله من إيحاءات وأفكار ، لتكون خطوة متقدّمة في اتجاه التغيير. ولا تبقى مجرد نصر تاريخي يتذكره الإنسان كمجد من أمجاد الماضي ، كلّما احتاج إلى ذكرى الانتصارات التاريخية التي يريد أن يهرب إليها من هزائم الحاضر.
إنّ الإنسان هو محور الحياة في الإسلام فلكي نصنع للحياة قاعدة قوية صلبة ، لا بد من أن نعمل على صناعة الشخصية الإنسانية على أساس قويّ منفتح ، لنحقق للحياة هدفها الكبير ، ولنمارس تحريك كل الطاقات في هذا الاتجاه ... وهذا ما يجعلنا نفكر أنّ موضوع الانتصارات ليس موضوع مجد ذاتيّ للزهو والخيلاء ، بل هو خطوة متقدمة نحو الهدف الكبير ، ولذا فإنّ من المفروض أن يرصد السائرون نحوه نقاط الضعف والقوة ، من أجل تصحيح المسار عند الخطأ ، وتثبيت الأقدام عند الاهتزاز. وهذا ما أثاره القرآن في هذه السورة التي نزلت ـ في ما يبدو ـ بعد المعركة ، من أجل أن يتعلّم المسلمون القيام بعملية التقييم لما حدث ، ليأخذوا منه الدرس للمستقبل في الأحداث القادمة ، فقد حدّثهم عن الوسائل الروحية التي تنمي إيمانهم بالله وعلاقتهم به ، وعن تأثيرات الصبر كقيمة أخلاقية من قيم الحياة التي تتدخل في تنمية القوّة وتطويرها ومضاعفتها ، وعن العلاقة الوثيقة بين الجوانب الروحية والجهادية ، فكلما انفتحت روح الإنسان على آفاق الإيمان ، كلما انفتح له درب جديد للجهاد ، وتحركت في حياته عزيمة القوّة والثبات.