لدي أسرار تكوينية في وجودي تفتح لي أبواب الغيب ، بل القضية هي أن أنتظر الوحي الذي ينزله الله عليّ ، أو المعرفة التي يلهمني إياها ، لأحصل على معرفة بعض الغيب الذي يريد الله لي أن أعلمه. (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) في الفرص المستقبلية التي قد يحتاج انتهازها إلى إعداد طويل يبدأ من الحاضر ، (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) في ما يحتاج الإنسان فيه إلى القيام ببعض الخطوات الوقائية التي تمنع المرض أو الفقر أو البلاء ، مما يكون سببه بيده واختياره عند معرفته له وعلمه به. ولكني ـ في واقع حياتي العملية ـ أواجه كثيرا من الفرص الضائعة ، أو من المشاكل الجسدية والمادية ، لأني لم أملك المعرفة التي تمكّنني من تلافي ذلك كله ، لأن كل ما أملكه مما يميزني عن الآخرين في مواقع الصفة البشرية هو الرسالة ، التي تسمح بتلقّي الوحي الإلهي بطريقة غير عادية ، ثم إبلاغه بطرق عادية ، (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) في ما أنذرهم به من عقاب الله على أساس عصيان أوامره ونواهيه ، وما أبشرهم به من ثوابه على أساس طاعته في ذلك كله.
* * *
الصورة التي يرسمها القرآن لشخصية النبي
وقد نستوحي من هذه الآية الصورة القرآنية الواضحة للشخصية النبوية ، بكل بساطتها ووضوحها التي أكّد الله ملامحها في أكثر من آية ، بعيدا عن كل الصور الفلسفية اللاهوتية التي أحاطه بها كثيرون ممن حاولوا التعمّق في شخصيّته ، فاستغرقوا في الحديث عن الأسرار والأجواء الخفية الغيبية ، وحولوا النبي إلى شخصية تملك كل القدرات غير العادية ، بحيث لا يميّزه عن صفة الألوهية إلا أن الصفة للإله ذاتية بينما هي في النبي مخلوقة. وقد حاول البعض أن يجعل هذه الصورة للأئمة أو للأولياء ، ونحن نتحفظ في ذلك كله ،