الرؤية للحاضر والمستقبل ، وبذلك يختلط عليه الحق والباطل ، والخير والشر ، ويعيش الاهتزاز في الموقف ، فلا يسكن إلى فكر ، ولا يستريح إلى موقع ، ففي كل يوم هوى يشدّه إلى طمع ، ويهوي به إلى الحضيض ، وينقله من القمة إلى أعماق الهوّة في لحظات. إنه المزاج الذي يحرّك صاحبه تبعا للحالات الطارئة ، في ما تتفتح عنه من غرائز ، وما تستجيب له من شهوات ، وما تتّجه إليه من نزوات وأطماع.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) لأن هذا اللهاث الذي يتصاعد منه ليس وليد موقف دفاعيّ ، أو نتيجة حركة عقلانيّة ، بل هو حالة جسدية تخضع لحاجات الجسد ، وتلتقي بجانب الغريزة ، ولهذا فإن تذكيره بجوانب المعرفة عنده لا يجديه شيئا ، لأنه قد أغلق قلبه عن كل إيحاءاتها ، وجمّد مشاعره عن كل أحاسيسها ، واتجه بكل كيانه إلى هذا اللهاث في أحاسيس الشهوة ، وإيحاءات الطمع والنزوة.
(ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وانحرفوا عنها ، وساروا ـ من خلال ذلك ـ في طريق الضلال ... إنهم القوم الذين لا يريدون أن ينتفعوا بما يعرفون ، ولا يحاولون أن يتطلعوا في آفاق المعرفة إلى ما لا يعرفون ، فالمعرفة عندهم ترف يتحركون فيه من مواقع الحاجة إلى الترف ، وليست رسالة للحياة يحرّكونها من أجل بناء النفس على ما يخدم رسالة الحياة. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) على هؤلاء الذين تدعوهم إلى الحق ، ليعيشوا تجارب الآخرين من خلال القصة ، لا ليستهلكوها لتكون مجرد كلمات لاهية تملأ لديهم أوقات الفراغ. (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، فيقارنون بين حياتهم وحياة أولئك الذين عاشوا في أحداث تلك القصص ، ويعرفون النتائج السلبية في حياتهم المستقبلية إذا ساروا على النهج الذي سار عليه أولئك ، من خلال دراستهم للعاقبة السيّئة التي انتهى إليها أمرهم في الماضي.
* * *