مثل الذي أخلد إلى الأرض كمثل الكلب
وهذا حديث عن شخص من بني إسرائيل ، قيل إن اسمه بلعم بن باعورا كان يملك الاسم الأعظم ، وقيل إنه شخص معاصر للدعوة الإسلامية ، كان يعرف الكثير من آيات الله وتعاليمه ، ولكن هذا الشخص انحرف عن الخط المستقيم ، فلم ينتفع بما يملك من المعرفة ، ولم ينفتح على الآفاق الرحبة العالية التي ترفعه إلى الله في عملية سموّ وطهر وإيمان ، بل هوى إلى الأرض في حالة انحطاط روحيّ وفكريّ ، فلم يتطلّع إلا إلى الأجواء السفلى التي تربط مطامحه بالتراب ولا شيء إلا التراب ... وهذا ما نريد أن نتابعه مع هاتين الآيتين :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) في ما رزقناه من وسائل المعرفة ، في ما يهدي إليه العقل أو الوحي ، (فَانْسَلَخَ مِنْها) وابتعد عنها في عملية رفض وانحراف ؛ (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) ، لأن الفكر الذي تمثّله هو فكر الذري الشمّاء الذي ينظر إلى أعالي الأمور ولا يتطلع إلى أسافلها ، حيث الروحية المنفتحة على الله في آفاق المطلق.
(وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) والتصق بها ، وأقبل عليها في عبادة وخضوع ونهم إلى التراب. والالتصاق بالأرض ، يعني الانغماس في القيم المادية التي لا تنبض فيها خفقة من قلب ، ولهفة من روح ، ونبضة من وحي ، بل تتجمّع فيها كل أنانيّة النفس الأمّارة بالسوء ، وشهوات الجسد الباحث أبدا عن المتعة الحسية ، وأطماع الذات التي لا تفكّر إلّا بمطامعها ولو على حساب الآخرين ... وبذلك يسترخي الإنسان مع أجواء السعادة الحسية المادية ، ويستريح للخطوات اللاهثة وراء الرغبة ، ويبتعد رويدا رويدا عن كل آفاق الروح الباحثة أبدا عن المطلق في رحاب الله ، حيث يعيش الإنسان إنسانيته في أريحية القيم (وَاتَّبَعَ هَواهُ) ، فجعله القاعدة التي ينطلق منها في كل أقواله وأعماله وعلاقاته وانتماءاته ، وإذا كان الهوى هو القاعدة ، فمعنى ذلك أن الضياع هو الأفق ، وأن الرمال المتحركة هي الأرض ، وأن الضباب هو خط