عنها ، والزحزحة في الأصل تكرير الزح وهو الجذب بعجلة. (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بالنجاة ونيل المراد ، والفوز الظفر بالبغية. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه». (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لذاتها وزخارفها. (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، وهذا لمن آثرها على الآخرة. فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ والغرور مصدر أو جمع غار.
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١٨٦)
(لَتُبْلَوُنَ) أي والله لتختبرن. (فِي أَمْوالِكُمْ) بتكليف الإنفاق وما يصيبها من الآفات. (وَأَنْفُسِكُمْ) بالجهاد والقتل والأسر والجراح ، وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب. (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) من هجاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والطعن في الدين وإغراء الكفرة على المسلمين. أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال ، ويستعدوا للقائها حتى لا يرهقهم نزولها. (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك. (وَتَتَّقُوا) مخالفة أمر الله. (فَإِنَّ ذلِكَ) يعني الصبر والتقوى. (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) من معزومات الأمور التي يجب العزم عليها ، أو مما عزم الله عليه أي أمر به وبالغ فيه. والعزم في الأصل ثبات الرأي على الشيء نحو إمضائه.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)(١٨٧)
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) أي اذكر وقت أخذه. (مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يريد به العلماء. (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) حكاية لمخاطبتهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش بالياء لأنهم غيب ، واللام جواب القسم الذي ناب عنه قوله : (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ) والضمير للكتاب. (فَنَبَذُوهُ) أي الميثاق. (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه. والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات ، ونقيضه جعله نصب عينيه وإلقاؤه بين عينيه. (وَاشْتَرَوْا بِهِ). وأخذوا بدله. (ثَمَناً قَلِيلاً) من حطام الدنيا وأعراضها. (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) يختارون لأنفسهم ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «من كتم علمه عن أهله ألجم بلجام من نار». وعن علي رضي الله تعالى عنه (ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا).
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٨٨)
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين ، والمفعول الأول (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) والثاني (بِمَفازَةٍ) ، وقوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد والمعنى : لا تحسبن الذين يفرحون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والإخبار بالصدق ، بمفازة بمنجاة من العذاب أي فائزين بالنجاة منه ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني على أن الذين فاعل ومفعولا يحسبن محذوفان يدل عليهما مفعولا مؤكدة ، فكأنه قيل ؛ ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة ، أو المفعول الأول محذوف وقوله فلا تحسبنهم تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الأول. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بكفرهم وتدليسهم. روي أنه عليه الصلاة والسلام (سأل اليهود عن شيء مما في