فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فاعلموا أنكم لم تضروا الرسول صلىاللهعليهوسلم بتوليكم ، فإنما عليه البلاغ وقد أدى ، وإنما ضررتم به أنفسكم.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٩٣)
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) مما لم يحرم عليهم لقوله : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي اتقوا المحرم وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة. (ثُمَّ اتَّقَوْا) ما حرم عليهم بعد كالخمر. (وَآمَنُوا) بتحريمه. (ثُمَّ اتَّقَوْا) ثم استمروا وثبتوا على اتقاء المعاصي. (وَأَحْسَنُوا) وتحروا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها. روي (أنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر) فنزلت. ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة ، أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله تعالى ، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره ، أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى ، أو باعتبار ما يتقي فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيا من العقاب والشبهات تحرزا عن الوقوع في الحرام ، وبعض المباحات تحفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة. (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فلا يؤاخذهم بشيء ، وفيه أن من فعل ذلك صار محسنا ومن صار محسنا صار لله محبوبا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٩٤)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) نزلت في عام الحديبية ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالصيد ، وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكنون من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وهم محرمون ، والتقليل والتحقير في بشيء للتنبيه على أنه ليس من العظائم التي تدحض الأقدام كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال ، فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشد منه. (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) ليتميز الخائف من عقابه وهو غائب منتظر لقوة إيمانه ممن لا يخافه لضعف قلبه وقلة إيمانه ، فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره أو تعلق العلم. (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) بعد ذلك الابتلاء بالصيد.
(فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) فالوعيد لاحق به ، فإن من لا يملك جأشه في مثل ذلك ولا يراعي حكم الله فيه فكيف به فيما تكون النفس أميل إليه وأحرص عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٩٥)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي محرمون جمع حرام كرداح وردح ، ولعله ذكر القتل دون الذبح والذكاة للتعميم ، وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه لأنه الغالب فيه عرفا ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام «خمس يقتلن في الحل والحرم ، الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور». وفي رواية أخرى «الحية» بدل «العقرب» ، مع ما فيه من التنبيه على جواز قتل كل مؤذ ، واختلف في أن هذا النهي هل