تعالى في مرتبة ذاته المتعالية علما تفصيليّا في عين الإجمال وإجماليّا في عين التفصيل.
وقد تقدّم أيضا (١) أنّ ما سواه من الموجودات معاليل له ، منتهية إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، قائمة الذوات به قيام الرابط بالمستقلّ ، حاضرة عنده بوجوداتها ، غير محجوبة عنه ، فهي معلومة له في مرتبة وجوداتها علما حضوريّا ، أمّا المجرّدة منها فبأنفسها ، وأمّا المادّيّة فبصورها المجرّدة.
فتبيّن بما مرّ أنّ للواجب تعالى علما بذاته في مرتبة ذاته ، وهو عين ذاته. وأنّ له تعالى علما بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذاته ، وهو المسمّى ب «العلم قبل الإيجاد». وأنّه علم إجماليّ في عين الكشف التفصيليّ. وأنّ له تعالى علما تفصيليّا بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذواتها خارجا من الذات المتعالية ، وهو «العلم بعد الإيجاد». وأنّ علمه حضوريّ كيفما صوّر. فهذه خمس مسائل.
ويتفرّع على ذلك أنّ كلّ علم متقرّر في مراتب الممكنات من العلل المجرّدة العقليّة والمثاليّة فإنّه علم له تعالى.
ويتفرّع أيضا أنّه سميع بصير كما أنّه عليم خبير ، لما أنّ حقيقة السمع والبصر هي العلم بالمسموعات والعلم بالمبصرات ، فهما من مطلق العلم ، وله تعالى كلّ علم (٢).
__________________
(١) راجع الفصل الخامس من المرحلة الثامنة ، والفصل التاسع من هذه المرحلة.
(٢) قوله : «من مطلق العلم وله (تعالى) كلّ علم» تعريض بما ذهب إليه صدر المتألّهين في معنى سمعه وبصره تعالى.
قال صدر المتألّهين : «التحقيق أنّ السمع والبصر مفهومهما غير مفهوم العلم ، وأنّهما علمان مخصوصان زائدان على مطلق العلم ... فإنّك بعد ما علمت أنّ مناط الجزئيّة والشخصيّة ليس مجرّد الإحساس ، بل مناطها هو نحو الوجود الخاصّ وأنّ الوجود والتشخّص شيء واحد بالحقيقة متغاير بالمفهوم ، وأنّك قد علمت أنّ الحقّ يعلم الهويّات الخارجيّة بشخصيّاتها على وجه يكون وجودها في نفسها هو حضورها عنده ومعلوميّتها له ، ـ