السّحرة. وهو إخبار من الله تعالى إلى رسوله موسى عليهالسلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرّق فيه بين الحق والباطل ، ومضمون الإخبار : إلقاء ما في يمينه وهي عصاه.
أوحى الله إلى موسى وأمر بإلقاء عصاه ، التي تحولت إلى ثعبان عظيم ، فإذا هي تبتلع ما ألقوه ، وموّهوا به أنه حق وهو باطل ، أو ما يقلبونه من الحقّ إلى الباطل ويزوّرونه. قال ابن عباس : فجعلت لا تمرّ بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته ، فعرفت السّحرة أن هذا شيء من السّماء ، ليس بسحر ، فخرّوا سجّدا ، و (قالُوا : آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ).
وكانوا قد جعلوا الحبال مجوّفة محشوّة بالزئبق ، وقد تحرّكت بتأثير الحرارة : إما بحرارة الشّمس حين أصابتها ، وإما بنار أعدت لها.
(فَوَقَعَ الْحَقُّ ..) أي فثبت الحقّ وظهر كالشّمس ، وفسد ما كان السّحرة يعملون من الحيل والتّخييل ، وذهب تأثيره ، وأدركوا أن فعل موسى فوق السّحر.
وغلب السّحرة في ذلك الجمع العظيم بأمر الله وقدرته ، وانقلب فرعون وقومه معه صاغرين أذلّة ، بما لحقهم من عار الهزيمة والخيبة والخذلان ، لكن السّحرة آمنوا.
وألقي السّحرة عند ذلك وعند معاينة المعجزة سجّدا لربّهم ؛ لأنّ الحق بهرهم وحملهم على السجود ، وقالوا : صدّقنا وآمنا برب العالمين ، رب موسى وهارون ، أي ربّ جميع الأشياء والخلائق من الإنس والجنّ.
وكان هؤلاء منسجمين مع أنفسهم ، منطقيين في تصرّفهم ، فلم يكابروا ، وإنما كانوا صادقين مع نفوسهم ، بدليل أن فرعون قبل المبارزة دعا رؤساء السّحرة