عليهالسلام كانت معجزته من جنس الطب ، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد عليه الصلاة والسلام كانت معجزته القرآن أبلغ الكلام من جنس الفصاحة.
٨ ـ دل قوله : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا ...) على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبدا ذليلا مهينا عاجزا ، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليهالسلام. ودل أيضا على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان أو الأشياء ، فلم يتمكنوا من قلب الحبال والعصي حيات فعلية ، كما لم يتمكنوا من قلب التراب ذهبا ، وأن يجعلوا أنفسهم ملوك العالم ، ولو كانوا قادرين على ذلك لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون.
والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق ، وألا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب.
٩ ـ قوله : (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله ، من قولهم : (نَكُونَ) وتأكيد الضمير المتصل بالمنفصل وهو (نَحْنُ) وتعريف الخبر وهو (الْمُلْقِينَ) بقصد كسب الشهرة واجتذاب أنظار الناس.
وقد جاراهم موسى في رغبتهم ازدراء لشأنهم وقلة المبالاة بهم ، وثقته بالتأييد الإلهي ، وأن المعجزة لن يغلبها شيء.
١٠ ـ دل قوله تعالى : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) على أن السحر محض التمويه. ولو كان السحر حقا ، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم. وكل ما في الأمر أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة ، مع أن الأمر في الحقيقة خلاف ذلك. ودل قوله : (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) على أن العوام خافوا من حركات تلك الحبال والعصي.