النزعة المادية الشديدة ، فهم كانوا يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا من حلال أو حرام ، لشدة حرصهم ونهمهم : (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) ويزعمون أنه سيغفر لهم مع بقائهم على المعاصي ، بل إنهم لا يتوبون ، وقد ذمهم الله على اغترارهم بقولهم : (سَيُغْفَرُ لَنا) مع أنهم مصرون على الذنوب.
وإن جاءتهم عروض أخرى دنيوية وهي الرّشا والمكاسب الخبيثة ، أخذوها أيضا. وفي هذا دلالة على أن الطمع في الدنيا هو سبب فساد اليهود. قال الحسن البصري : هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا ، وأنهم لا يستمتعون منها (١).
وقال القرطبي : وهذا الوصف الذي ذمّ الله تعالى به هؤلاء موجود فينا ، أسند الدارمي أبو محمد عن معاذ بن جبل قال : «سيبلى القرآن في صدور أقوام كما سيبلى الثوب فيتهافت ، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة ، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف ، إن قصّروا قالوا : سنبلغ ، وإن أساؤوا قالوا : سيغفر لنا ، إنا لا نشرك بالله شيئا» (٢).
٤ ـ أخذ الله العهد والميثاق على بني إسرائيل في التوراة وفي جميع الشرائع على اتباع قول الحق في الشرع والأحكام ، وألا يميل الحكام بالرّشا إلى الباطل. وهذا عهد أيضا على المسلمين في كتاب ربنا وسنة نبينا.
ثم خالف اليهود الميثاق ، مع أنهم قرءوا التوراة ، وهم قريبو عهد بها. قال ابن زيد : كان يأتيهم المحقّ برشوة ، فيخرجون له كتاب الله ، فيحكمون له به ، فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة ، وأخرجوا له كتابهم الذي كتبوه بأيديهم ، وحكموا له.
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١٤
(٢) تفسير القرطبي : ٧ / ٣١١ ـ ٣١٢