الذي أخذوه أولا بالباطل ، يأخذوه بلهف دون تعفف ، وهم يعلمون أن وعد الله بالمغفرة مخصوص بالتائبين الذين يقلعون عن ذنوبهم.
فرد الله تعالى عليهم بقوله : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ ...) أي أن الله تعالى ينكر عليهم صنيعهم هذا ؛ لأنه قد أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يقولوا على الله غير الحق ، فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي يصرون عليها ولا يتوبون منها ، وهذا هو المذكور في التوراة : من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة ، ومن جملة الميثاق أن يبينوا للناس الحق ولا يكتمونه ، وألا يحرفوا الكلم ولا يغيروا الشرائع لأجل أخذ الرشوة ، وهم قد درسوا الكتاب (التوراة) وفهموا ما فيه ، من تحريم أكل مال الغير بالباطل والكذب على الله.
ثم رغبهم الله في جزيل ثوابه ، وحذرهم من وبيل عقابه ، فقال :
ألم يعلموا أن الدار الآخرة وما فيها من نعيم خالد خير للذين يتقون المعاصي ومحارم الله ، ويتركون هوى نفوسهم ، ويقبلون على طاعة ربهم ، إنها خير من حطام الدنيا الفاني الذي يؤخذ بطريق الحرام كالرّشا والسحت وغير ذلك ، أفلا تعقلون؟ أي أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي من ثواب عقل يردعهم عماهم فيه من السفه والتبذير؟!
والخلاصة : أن الدار الآخرة خير من ذلك العرض الخسيس.
وفي هذا إيماء إلى أن الطمع في متاع الدنيا هو الذي أفسد بني إسرائيل ، وفي هذا عبرة للمسلمين الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.
ثم أثنى الله تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما هو مكتوب فيه ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ ...) أي والذين يستمسكون بأوامر الكتاب الإلهي ، ويعتصمون به ، ويقتدون بمنهجه ، ويتركون زواجره ، وأقاموا الصلاة ، وخصها بالذكر مع أن الكتاب يشتمل على كل عبادة ،