حاجته على الإعانة على حاجة الأمة.
وهذه الآية أصل من نظام الجماعات في مصالح الأمة لأن من السنة أن يكون لكل اجتماع إمام ورئيس يدير أمر ذلك الاجتماع. وقد أشارت مشروعية الإمامة إلى ذلك النظام. ومن السنة أن لا يجتمع جماعة إلا أمّروا عليهم أميرا فالذي يترأس الجمع هو قائم مقام ولي أمر المسلمين فهو في مقام النبي صلىاللهعليهوسلم فلا ينصرف أحد عن اجتماعه إلا بعد أن يستأذنه ، لأنه لو جعل أمر الانسلال لشهوة الحاضر لكان ذريعة لانفضاض الاجتماعات دون حصول الفائدة التي جمعت لأجلها ، وكذلك الأدب أيضا في التخلف عن الاجتماع عند الدعوة إليه كاجتماع المجالس النيابية والقضائية والدينية أو التخلف عن ميقات الاجتماع المتفق عليه إلا لعذر واستئذان.
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣))
لما كان الاجتماع للرسول في الأمور يقع بعد دعوته الناس للاجتماع وقد أمرهم الله أن لا ينصرفوا عن مجامع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا لعذر بعد إذنه أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرسول إذا دعاهم. وقد تقدم قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) في سورة الأنفال [٢٤]. والمعنى : لا تجعلوا دعوة الرسول إياكم للحضور لديه مخيّرين في استجابتها كما تتخيرون في استجابة دعوة بعضكم بعضا ، فوجه الشبه المنفي بين الدعوتين هو الخيار في الإجابة. والغرض من هذه الجملة أن لا يتوهموا أن الواجب هو الثبات في مجامع الرسول إذا حضروها ، وأنهم في حضورها إذا دعوا إليها بالخيار ، فالدعاء على هذا التأويل مصدر دعاه إذا ناداه أو أرسل إليه ليحضر.
وإضافة (دُعاءَ) إلى (الرَّسُولِ) من إضافة المصدر إلى فاعله. ويجوز أن تكون إضافة (دُعاءَ) من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل المقدر ضمير المخاطبين. والتقدير : لا تجعلوا دعاءكم الرسول ، فالمعنى نهيهم.
ووقع الالتفات من الغيبة إلى خطاب المسلمين حثّا على تلقي الجملة بنشاط فهم ، فالخطاب للمؤمنين الذين تحدث عنهم بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النور : ٦٢] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) [النور : ٦٢] إلخ. نهوا عن أن يدعوا الرسول عند