الخواطر المنكسرة من أهل الإيمان الذين لم يلحقوا غيرهم لعجز أو خصاصة.
ولمراعاة هذا المعنى عطف قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) وهو معنى إحاطة العلم بأحوالهم ونواياهم. فالكتاب هنا هو الأمر الذي فيه تسجيل الأعمال من حسنات وسيئات وإطلاق الكتاب عليه لإحاطته. وفي قوله (لَدَيْنا) دلالة على أن ذلك محفوظ لا يستطيع أحد تغييره بزيادة ولا نقصان. والنطق مستعار للدلالة ، ويجوز أن يكون نطق الكتاب حقيقة بأن تكون الحروف المكتوبة فيه ذات أصوات وقدرة الله لا تحد.
وأما قوله (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) فالمناسب أن يكون مسوقا لمؤاخذة المفرّطين والمعرضين فيكون الضمير عائدا إلى ما عاد إليه ضمير (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) [المؤمنون : ٥٣] وأشباهه من الضمائر والاعتماد على قرينة السياق ، وقوله (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) [المؤمنون : ٦٣] وما بعده من الضمائر. والظلم على هذا الوجه محمول على ظاهره وهو حرمان الحق والاعتداء.
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى عموم الأنفس في قوله (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فيكون قوله (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) من بقية التذييل ، والظلم على هذا الوجه مستعمل في النقص من الحق كقوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] فيكون وعيدا لفريق ووعدا لفريق. وهذا أليق الوجهين بالإعجاز.
(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣))
إضراب انتقال إلى ما هو أغرب مما سبق وهو وصف غمرة أخرى انغمس فيها المشركون فهم في غمرة غمرت قلوبهم وأبعدتها عن أن تتخلق بخلق الذين هم من خشية ربهم مشفقون كيف وأعمالهم على الضد من أعمال المؤمنين تناسب كفرهم ، فكل يعمل على شاكلته.
فحرف (من) في قوله : (مِنْ هذا) يوهم البدلية ، أي في غمرة تباعدهم عن هذا.
والإشارة ب (هذا) إلى ما ذكر آنفا من صفات المؤمنين في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) إلى قوله : (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٥٧ ـ ٦١].
و (دُونِ) تدل على المخالفة لأحوال المؤمنين ، أي ليسوا أهلا للتحلي بمثل تلك المكارم.