أن يكون مماثلا لما تولد هو منه إذ الولد نسخة من أبيه فلزم عليه ما يلزم على القول بتعدد الآلهة. وأيضا لو لم يكن من فصول حقيقة الملائكة أنهم مسخرون لطاعة الله وتنفيذ أوامره لفسدت حقائقهم فأفسدوا ما يأمرهم الله بإصلاحه وبالعكس فتنتقض المصالح.
ويجوز أن يكون (مَنْ) صادقا على المخلوقات كلها على وجه التغليب في استعمال (من). ووجه الملازمة ينتظم بالأصالة مع وجه الملازمة بين تعدد الآلهة وبين فساد السماوات والأرض ثم يسري إلى اختلال مواهي الموجودات فتصبح غير صالحة لما خلقت عليه ، فيفسد العالم. وقد كان بعض الفلاسفة المتأخرين فرض بحثا في إمكان فناء العالم وفرض أسبابا إن وجد واحد منها في هذا العالم. وعدّ من جملتها أن تحدث حوادث جوية تفسد عقول البشر كلهم فيتألبون على إهلاك العالم فلو أجرى الله النظام على مقتضى الأهواء من مخالفة الحق لما هو عليه في نفس الأمر كما يشتهون لعاد ذلك بالفساد على جميع العالم فكانوا مشمولين لذلك الفساد لأنهم من جملة ما في السماوات والأرض ، فناهيك بأفن آراء لا تميز بين الضر والنافع لأنفسهما. وكفى بذلك شناعة لكراهيتهم الحق وإبطالا لزعمهم أن ما جاء به الرسول تصرفات مجنون.
(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ).
إبطال لما اقتضاه الفرض في قوله (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) أي بل لم يتبع الحق أهواءهم فأبلغنا إليهم الحق على وجهه بالقرآن الذي هو ذكر لهم يوقظ عقولهم من سباتها. كأنه يذكر عقولهم الحق الذي نسيته بتقادم الزمان على ضلالات آبائهم التي سنوها لهم فصارت أهواء لهم ألفوها فلم يقبلوا انزياحا عنها وأعرضوا عن الحق بأنه خالفها ، فجعل إبلاغ الحق لهم بالأدلة بمنزلة تذكير الناسي شيئا طال عهده به كما قال عمر بن الخطاب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري «فإن الحق قديم» قال تعالى (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [يونس : ٨٢].
وعدّي فعل آتيناهم بالباء لأنه استعمل مجازا في الإرسال والتوجيه.
والذكر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى التذكير. ويجوز أن يكون اسما للكلام الذي يذكر سامعه بما غفل عنه وهو شأن الكتب الربانية. وإضافة الذكر إلى ضميرهم لفظية من الإضافة إلى مفعول المصدر.
والفاء لتفريع إعراضهم على الإتيان بالذكر إليهم ، أي فتفرع على الإرسال إليهم