وعلمت أيضا أن ليس المقصود من التعريف في (الْمُؤْمِنُونَ) معنى الكمال لأنه لو كان كذلك لم يحصل قصد التشهير بنفاق المنافقين.
والأمر : الشأن والحال المهم. وتقدم في قوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) في سورة النساء [٥٩].
والجامع : الذي من شأنه أن يجتمع الناس لأجله للتشاور أو التعلم. والمراد : ما يجتمع المسلمون لأجله حول الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلسه أو في صلاة الجماعة. وهذا ما يقتضيه (مع) و (على) من قوله : (مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) لإفادة (مع) معنى المشاركة وإفادة (على) معنى التمكن منه.
ووصف الأمر ب (جامِعٍ) على سبيل المجاز العقلي لأنه سبب الجمع. وتقدم في قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) في سورة يونس [٧١].
وعن مالك : أن هذه الآية نزلت في المنافقين يوم الخندق (وذلك سنة خمس) كان المنافقون يتسللون من جيش الخندق ويعتذرون بأعذار كاذبة.
وجملة : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) إلى آخرها تأكيد لجملة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) لأن مضمون معنى هذه الجملة هو مضمون معنى جملة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) الآية. وقد تفنن في نظم الجملة الثانية بتغيير أسلوب الجملة الأولى فجعل مضمون المسند في الأولى مسندا إليه في الثانية والمسند إليه في الأولى مسندا في الثانية ومآل الأسلوبين واحد لأن المآل الإخبار بأن هذا هو ذاك على حدّ : وشعري شعري ، تنويها بشأن الاستئذان ، وليبنى عليها تفريع (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) ليعلّم المؤمنين الأعذار الموجبة للاستئذان ، أي ليس لهم أن يستأذنوا في الذهاب إلا لشأن مهم من شئونهم.
ووقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله : يستأذنوك تشريفا للرسولصلىاللهعليهوسلم بهذا الخطاب.
وقد خير الله رسوله في الإذن لمن استأذنه من المؤمنين لأنه أعلم بالشأن الذي قضاؤه أرجح من حضور الأمر الجامع لأن مشيئة النبي لا تكون عن هوى ولكن لعذر ومصلحة.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) مؤذن بأن ذلك الانصراف خلاف ما ينبغي لأنه لترجيح