والمقصود من هذه المقابلة الرد على منكري البعث ، فتقديم المجرور في (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تعريض بالتهديد بأنهم محشورون إلى الله فهو يجازيهم.
(وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠))
هو من أسلوب (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ) [المؤمنون : ٧٨] وأعقب ذكر الحشر بذكر الإحياء لأن البعث إحياء إدماجا للاستدلال على إمكان البعث في الاستدلال على عموم التصرف في العالم.
وأما ذكر الإماتة فلمناسبة التضاد ، ولأن فيها دلالة على عظيم القدرة والقهر. ولما كان من الإحياء خلق الإيقاظ ومن الإماتة خلق النوم كما قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر : ٤٢] الآية عطف على ذلك أن بقدرته اختلاف الليل والنهار لتلك المناسبة ، ولأن في تصريف الليل والنهار دلالة على عظيم القدرة ، والعلم دلالة على الانفراد بصفات الإلهية وعلى وقوع البعث كما قال تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف : ٢٩].
واللام في (لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) للملك ، أي بقدرته تصريف الليل والنهار ، فالنهار يناسب الحياة ولذلك يسمى الهبوب في النهار بعثا ، والليل يناسب الموت ولذلك سمى الله النوم وفاة في قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) [الأنعام : ٦٠].
وتقديم المجرور للقصر ، أي له اختلاف الليل والنهار لا لغيره ، أي فغيره لا تحق له الإلهية.
ولما كانت هذه الأدلة تفيد من نظر فيها علما بأن الإله واحد وأن البعث واقع وكان المقصودون بالخطاب قد أشركوا به ولم يهتدوا بهذه الأدلة جعلوا بمنزلة غير العقلاء فأنكر عليهم عدم العقل بالاستفهام الإنكاري المفرع على الأدلة الأربعة بالفاء في قوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
وهذا تذييل راجع إلى قوله (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المؤمنون : ٧٩] وما بعده.
[٨١ ـ ٨٣] (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣))