سيراه مرأى عين دون كون فيه. وقد يبدو أن هذا وعد غريب لأن المتعارف أن يكون العذاب سماويا فإذا نجى الله منه بعض رسله مثل لوط فإنه يبعده عن موضع العذاب ولكن كان عذاب هؤلاء غير سماوي فتحقق في مصرع صناديدهم يوم بدر بمرأى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ووقف رسول الله على القليب قليب بدر وناداهم بأسمائهم واحدا واحدا وقال لهم «لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا». وبهذا القصد يظهر موقع حرفي التأكيد (إن) واللام من إصابة محزّ الإعجاز.
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦))
لما أنبأ الله رسوله عليه الصلاة والسلام بما يلمح له بأنه منجز وعيده من الذين كذبوه فعلم الرسول والمسلمون أن الله ضمن لهم النصر أعقب ذلك بأن أمره بأن يدفع مكذبيه بالتي هي أحسن وأن لا يضيق بتكذيبهم صدره فذلك دفع السيئة بالحسنة كما هو أدب الإسلام. وسيأتي بيانه في سورة فصلت [٣٤] عند قوله (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) خبر مستعمل كناية عن كون الله يعامل أصحاب الإساءة لرسوله بما هم أحقاء به من العقاب لأن الذي هو أعلم بالأحوال يجري عمله على مناسب تلك الأحوال بالعدل وفي هذا تطمين لنفس الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وحذف مفعول (يَصِفُونَ) وتقديره : بما يصفونك ، أي مما يضيق به صدرك. وذلك تعهد بأنه يجازيهم على ما يعلم منهم قرب أحد يبدو منه السوء ينطوي ضميره على بعض الخير فقد كان فيهم من يحدب على النبي في نفسه ، ورب أحد هو بعكسه كما قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) [البقرة : ٢٠٤].
و (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) مراد بها الحسنة الكاملة ، فاسم التفضيل للمبالغة مثل قوله (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣].
والتخلق بهذه الآية هو أن المؤمن الكامل ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله فهو يتولى الانتصار لمن توكل عليه وأنه إن قابل السيئة بالحسنة كان انتصار الله أشفى لصدره وأرسخ في نصره ، وما ذا تبلغ قدرة المخلوق تجاه قدرة الخالق ، وهو الذي هزم الأحزاب بلا جيوش ولا فيالق.
وهكذا كان خلق النبي صلىاللهعليهوسلم فقد كان لا ينتقم لنفسه وكان يدعو ربه. وذكر في