وقد بسطنا القول في معنى (تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) في سورة الأنبياء [٩٣].
والأمر هنا بمعنى الشأن والحال وما صدقه أمور دينهم.
والزبر بضم الزاي وضم الموحدة كما قرأ به الجمهور جمع زبور وهو الكتاب. استعير اسم الكتاب للدين لأن شأن الدين أن يكون لأهله كتاب ، فيظهر أنها استعارة تهكمية إذ لم يكن لكل فريق كتاب ولكنهم اتخذوا لأنفسهم أديانا وعقائد لو سجلت لكانت زبرا.
وقرأه أبو عمرو بخلاف عنه (زُبُراً) بضم الزاء وفتح الموحدة وهو جمع زبرة بمعنى قطعة.
وجملة (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) تذييل لما قبله لأن التقطع يقتضي التحزب فذيل بأن كل فريق منهم فرح بدينه ، ففي الكلام صفة محذوفة ل (حِزْبٍ) ، أي كل حزب منهم ، بدلالة المقام.
والفرح : شدة المسرة ، أي راضون جذلون بأنهم اتخذوا طريقتهم في الدين. والمعنى : أنهم فرحون بدينهم عن غير دليل ولا تبصر بل لمجرد العكوف على المعتاد. وذلك يومئ إليه (لَدَيْهِمْ) المقتضي أنه متقرر بينهم من قبل ، أي بالدين الذي هو لديهم فهم لا يرضون على من خالفهم ويعادونه ، وذلك يفضي إلى التفريق والتخاذل بين الأمة الواحدة وهو خلاف مراد الله ولذلك ذيل به قوله (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢]. وقديما كان التحزب مسببا لسقوط الأديان والأمم وهو من دعوة الشيطان التي يلبس فيها الباطل في صورة الحق.
والحزب : الجماعة المجتمعون على أمر من اعتقاد أو عمل ، أو المتفقون عليه.
(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤))
انتقال بالكلام إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم. وضمير الجمع عائد إلى معروف من السياق وهم مشركو قريش فإنهم من جملة الأحزاب الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، أو هم عينهم : فمنهم من اتخذ إلهه العزى. ومنهم من اتخذ مناة ، ومنهم من اتخذ ذا الخلصة إلى غير ذلك.
والكلام ظاهره المتاركة ، والمقصود منه الإملاء لهم وإنذارهم بما يستقبلهم من سوء