«المدارك» في ترجمة عبد الله بن غانم : أن رجلا يقال له ابن زرعة كان له جاه ورئاسة وكان ابن غانم حكم عليه بوجه حق ترتب عليه ، فلقي ابن غانم في موضع خال فشتمه فأعرض عنه ابن غانم فلما كان بعد ذلك لقيه بالطريق فسلم ابن زرعة على ابن غانم فرد عليه ابن غانم ورحب به ومضى معه إلى منزله وعمل له طعاما فلما أراد مفارقته قال لابن غانم : يا أبا عبد الرحمن اغفر لي واجعلني في حل مما كان من خطابي ، فقال له ابن غانم : أما هذا فلست أفعله حتى أوقفك بين يدي الله تعالى ، وأما أن ينالك مني في الدنيا مكروه أو عقوبة فلا.
[٩٧ ، ٩٨] (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨))
الظاهر أن يكون المعطوف مواليا للمعطوف هو عليه ، فيكون قوله (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) متصلا بقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) [المؤمنون : ٩٦] فلما أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يفوض جزاءهم إلى ربه أمره بالتعوذ من حيلولة الشياطين دون الدفع بالتي هي أحسن ، أي التعوذ من تحريك الشيطان داعية الغضب والانتقام في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيكون (الشَّياطِينِ) مستعملا في حقيقته. والمراد من همزات الشياطين : تصرفاتهم بتحريك القوى التي في نفس الإنسان (أي في غير أمور التبليغ) مثل تحريك القوة الغضبية كما تأول الغزالي في قول النبي صلىاللهعليهوسلم في الحديث «ولكن الله أعانني عليه فأسلم». ويكون أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالتعوذ من همزات الشياطين مقتضيا تكفل الله تعالى بالاستجابة كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) [البقرة : ٢٨٦] ، أو يكون أمره بالتعوذ من همزات الشياطين مرادا به الاستمرار على السلامة منهم. قال في «الشفاء» : الأمة مجتمعة (أي مجمعة) على عصمة النبي صلىاللهعليهوسلم من الشيطان لا في جسمه بأنواع الأذى ، ولا على خاطره بالوساوس.
ويجوز أن تكون جملة (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) عطفا على جملة (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) [المؤمنون : ٩٣] بأن أمره الله بأن يلجأ إليه بطلب الوقاية من المشركين وأذاهم ، فيكون المراد من الشياطين المشركين فإنهم شياطين الإنس كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِ) نبيء (عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] ويكون هذا في معنى قوله : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إلى قوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ١ ـ ٦] فيكون المراد : أعوذ بك من همزات القوم الظالمين أو من