تحبه لأن الراغب في إرضاء شخص يكون متسارعا في إعطائه مرغوبه ، ويقال : فلان يجري في حظوظك. ومتعلق (نُسارِعُ) محذوف تقديره : نسارع لهم به ، أي بما نمدهم به من مال وبنين. وحذف لدلالة (نُمِدُّهُمْ بِهِ) عليه.
وظرفية (في) مجازية. جعلت (الْخَيْراتِ) بمنزلة الطريق يقع فيه المسارعة بالمشي فتكون (في) قرينة مكنية. وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [المائدة : ٤١] وقوله : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) [المائدة : ٥٢] كلاهما في سورة العقود ، وقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) في سورة الأنبياء [٩٠].
والخيرات : جمع خير بالألف والتاء ، وهو من المجموع النادرة مثل سرادقات. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) في سورة براءة [٨٨] ، وتقدم في سورة الأنبياء [٧٣ ـ ٩٠].
و (بل) إضراب عن المظنون لا على الظن كما هو ظاهر بالقرينة ، أي لسنا نسارع لهم بالخيرات كما ظنوا بل لا يشعرون بحكمة ذلك الإمداد وأنها لاستدراجهم وفضحهم بإقامة الحجة عليهم.
[٥٧ ـ ٦١] (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١))
هذا الكلام مقابل ما تضمنته الغمرة من قوله (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) [المؤمنون : ٥٤] من الإعراض عن عبادة الله وعن التصديق بآياته ، ومن إشراكهم آلهة مع الله ، ومن شحهم عن الضعفاء وإنفاق مالهم في اللذات ، ومن تكذيبهم بالبعث. كل ذلك مما شملته الغمرة فجيء في مقابلها بذكر أحوال المؤمنين ثناء عليهم ، ألا ترى إلى قوله بعد هذا (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) [المؤمنون : ٦٣].
فكانت هذه الجملة كالتفصيل لإجمال الغمرة مع إفادة المقابلة بأحوال المؤمنين. واختير أن يكون التفصيل بذكر المقابل لحسن تلك الصفات وقبح أضدادها تنزيها للذكر عن تعداد رذائلهم ، فحصل بهذا إيجاز بديع ، وطباق من ألطف البديع ، وصون للفصاحة من كراهة الوصف الشنيع.